كتاب

كيف تبدأ الحروب الأهلية.. مراجعة تدق ناقوس الخطر

باربرا والتر. كيف تبدأ الحروب الأهلية

باربرا ف والتر

كتاب دريل_ ترجمات
فادي حسن_ اللاذقية

لا تتوقع باربرا والتر أن ترى حربًا أهلية في الولايات المتحدة على غرار الصراع الذي مزّق الأمة في ستينيات القرن التاسع عشر والسبب هو أن الحروب الأهلية تندلع بشكل مختلف هذه الأيام. وهو الأمر الوحيد الذي يبعث الراحة في نفس القارئ المهتم وما يمكن أن يستقيه من هذا السرد الواقعي لكيفية بَدْء الحروب الأهلية وإدارتها في عصرنا.

تعمل والتر أستاذًا في العلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا، سان دييغو، ومستشارة للعديد من الوكالات الحكومية والدولية. درست الحروب الأهلية وحركات التمرد لمدة ثلاثة عقود، وفي هذا الكتاب تعتمد على جهدها الخاص وجهود باحثين آخرين لصنع خط بياني يظهر الانحدار إلى العنف الداخلي المنظم.


المفهوم الرئيس هو مفهوم “الأنوقراطية” أو الديمو سلطوية، وهي مرحلة انتقالية للحكم بين الحكم المطلق والديمقراطية. يمكن إجراء الانتقال في أي من الاتجاهين، وخلال المدّة الانتقالية تندلع معظم الحروب الأهلية. وبينما تمتلك الأنظمة الاستبدادية سلطات قمع كافية للسيطرة على المتمردين المحتملين؛ تسمح الديمقراطيات للمعارضين بوسائل إحداث التغيير دون اللجوء إلى العنف. ولكن عندما تضعف الأنظمة الاستبدادية، يمكن أن يفشل القمع، وعندما تتعاظم الديمقراطيات، تتعطل صمامات التنفيس.


ومن العوامل الحاسمة التي تؤدي إلى الحرب الأهلية هو ظهور الفصائل أو الأحزاب. إذ لاحظت والتر أنه في أوائل القرن العشرين، اندلعت الحروب الأهلية على أسس الطبقية والأيديولوجية. ومن هنا جاءت الثورة الروسية عام 1917 تلتها الثورة الصينية بعد عقد من الزمن. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، ومع انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة، صارت الحروب الأهلية مرآة الانقسام العرقي والديني. وبحلول أواخر القرن العشرين، كانت خطوط الصدع هذه تكمن في قلب معظم الحروب الأهلية.


دراسة الحالة التي تسترجعها والتر مرارًا وتكرارًا هي تفكك يوغوسلافيا. لقد حكم تيتو بقبضة من حديد، وقمع بلا رحمة المظاهر الدينية والعرقية. ولكن بعد موته كانت المفاجئة بانقسام البلد على أساس عرقي وديني. في ذلك الصراع، أثبت الزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش أسلوبًا لا سابق له لمفهوم آخر تستخدمه والتر وهو “رجل الأعمال العرقي”، فقد قلب ميلوسيفيتش سياسة تيتو رأسًا على عقب، متعمدًا إشعال النيران العرقية والدينية.


وتؤكد والتر على صحة روايتها بذكريات يحكيها من قابلتهم. فتحدثت إحداهن عن حياتها في سراييفو قبل الانفصال إذ بالكاد لاحظت الاختلافات الدينية والعرقية بين جيرانها. ولكن بعد أن استخدم ميلوسيفيتش ومقلديه آلية الدعاية، تمزق النسيج الاجتماعي. وفي أثناء وجودها في المنزل مع ابنها الصغير في مارس 1992 انطفأت الأنوار، وتتابع: “وفجأة بدأت أسمع أصوات مدافع رشاشة”.


وأكثر الفصائل التي تميل إلى العنف هي تلك التي تسميها والتر وآخرون “أبناء الأرض” أو أصحاب تاريخ عميق في البلد، ريفي أساساً، والذين يستاؤون من نزوح المهاجرين والنخب الحضرية. وتكون الأخيرة أكثر عرضة للعنف من المجموعات الأخرى عندما يعمل رجال الأعمال العرقيون على تأجيج استياء الطرف الأول.
إضافة إلى ذلك، تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أهم الدوافع أو هي – “المُسرع” – للحروب الأهلية الأخيرة. تقول والتر: “إن وسائل التواصل الاجتماعي هي حلم كل رجل أعمال عرقي”. كما ترى أنه ليس من قبيل المصادفة على الإطلاق أن العالم حقق ذروة الديمقراطية قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الديمقراطية في تراجع منذ ذلك الحين.


وتشير والتر إلى أنه حسب التسلسل الذي يعتمده الباحثون في مجالها، فقد انزلقت الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية إلى طور الأنوقراطية. بدأ ذلك في التسعينيات مع ظهور شبكات التلفزيون الحزبية. واستمرت مع ازدهار فيسبوك وتويتر والحوارات الإذاعية وخطاباتها التحريضية. وبعدها: “في هذا المستنقع السياسي صعد أكبر رائد أعمال عرقي على الإطلاق: دونالد ترامب.”


رواية والتر عن اعتداءات ترامب على الحشمة والديمقراطية مألوفة لكنها ما تزال مخيفة. ولكن الخبر السار هو أن الأخبار السيئة لم تكن أسوأ لكننا لم نر نهايتها. كانت أمريكا محظوظة لأن أول رئيس استبدادي حديث لها لم يكن ذكيًا ولا يتمتع بالخبرة السياسية. والجمهوريون الآخرون الطموحون والأكثر فاعلية – توم كوتون وجوش هاولي – انتبهوا لذلك وسيسعون إلى الاجتهاد أكثر”.


إذن ما الذي يجب أن يفعله الديمقراطي؟ أولاً، التركيز على تحسين أداء الحكومة. يُظهر البحث الذي أجرته والتر وزملاؤها أن السياسة أهم من الاقتصاد في بَدْء الحروب الأهلية أو منعها. وتقترح فرض قوانين الانتخابات الفيدرالية والحد من التلاعب الحزبي في الدوائر الانتخابية وكبح المساهمات غير الخاضعة للمساءلة في الحملات الانتخابية وإقصاء المجمع الانتخابي الأمريكي. وتوصي الحكومة “بتجديد التزامها بتوفير الدعم لمواطنيها الأكثر ضعفًا”.


كما يجب تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي. تقول والتر: “تنظم حكومة الولايات المتحدة جميع القطاعات – من المرافق وشركات الأدوية إلى مصانع معالجة الأغذية – لتعزيز الصالح العام”. وتتابع “من أجل الديمقراطية والتماسك الاجتماعي، يجب إضافة منصات التواصل الاجتماعي إلى ما سبق.”


ولكن هل يكون هذا كافيا؟ تأمل والتر ذلك. لكنها تتوقع تفاقم الإرهاب المحلي المتصاعد أساسًا منذ التفجير الذي أدمى أوكلاهوما سيتي عام 1995، وأن المتمردين والميلشييات – المحاربون المدنيون في القرن الحادي والعشرين – سيستمرون في الانتشار، وأن الديماغوجيين النفعيين مثل ترامب مستمرون في تشجيعهم.


وتذكر والتر أنه في خضم الحملة الانتخابية لعام 2020، قامت هي وزوجها، اللذان يحملان بينهما جوازات سفر سويسرية وكندية وهنغارية وألمانية، بإعداد خِطَّة خروجهما من الولايات المتحدة في حال ساءت الأمور. حتى إنهم فكروا في التقدم بطلب للحصول على الجنسية المجرية لابنتهم. لم تصل الأمور إلى هذا الحد لكنهم جددوا جوازات سفرهم تحسباً لذلك.

فادي حسن

كاتب ومترجم مقيم في سوريا

Drill

فريق التحرير

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق