الأرشيف

كتاب

مما قرأه بيل غيتس.. أكون أو لا أكون

هامنت

كتاب دريل_ ترجمات
فادي حسن_ اللاذقية

هامنت” كتاب يخترق الحدود بين الحياة الواقعية والمسرحية”

رواية ماجي أوفاريل تشكل إطلالة جميلة في صياغة متينة عن قدرة الحزن على تمزيق الأسرة

يعرف كل سكان غرب الولايات المتحدة الأمريكية أن أفضل مكان لارتياد المسرح هو مهرجان أوريغون شكسبير, ذلك المسرح الرائع المقام في الهواء الطلق الذي ما يزال يبهرني في كل ما يقدمه على الرغْم من زيارتي له مرات عدة. لقد صمّم على الطراز الإليزابيثي مضفيًا على مسرحيات شكسبير “حلم ليلة صيف” و”أوثيلو” نكهةً خاصةً تحت النجوم، ما زاد إعجابي بهذا الكاتب وأسرني خلود مسرحياته وبراعته. وبالرغم من الزمن ما زالت نابضة بالحياة متقنة عابرة للقرون.

لكن من هو شكسبير حقاً؟ المرعب في الأمر أننا لا نعرف إلا القليل عن ذلك الذي يقف وراء هذه الروائع، على الرغْم من الأفلام والكتب الكثيرة التي تدعي معرفة بحياته الشخصية (يعجبني تحديداً فيلم شكسبير عاشقًا Shakespeare in Love.) لتأتي رواية Hamnet لماجي أوفاريل أحدثها، وهي في رأيي إطلالة جميلة في صياغة متينة عن قدرة الحزن على تمزيق الأسرة.

حقيقتان تركز عليهما أوفاريل في كتابها: وفاة هامنت ابن شكسبير في سن الحادية عشرة ليكتب شكسبير بعدها بعامين مأساة تسمى هاملت. (ويعتقد العديد من الباحثين أن اسم هامنت وهاملت هما إسم واحد في ذلك العصر). تستكشف أوفاريل الأيام قبيل وفاة هامنت وتفترض أنها أثرت على ولادة واحدة من أعظم المسرحيات في كل العصور.

أما أروع خِيار قامت به المؤلفة هو عندما نقلت بؤرة التركيز من شكسبير نفسه إلى عائلته. ويتضح ذلك من عدم استخدام كلمات مثل “وليم” و”شكسبير”، وإذا لم تكن تعرف ما موضوع الكتاب فأنا لا أعرف ما إذا كنت ستعرف من هو “الزوج” حتى النهاية. ستتعاطف معه، لكن زوجته أغنيس هاثاواي وأطفالهما الثلاثة هم محور الرواية.

أغنيس (التي يعرفها معظم الناس باسم آن) شخصية رائعة. وقد رسمها التاريخ امرأةً ماكرة قادت شكسبير الشاب إلى فخ الزواج عن طريق الحمل، لكن أوفاريل لديها وجهة نظر مختلفة. أغنيس في كتابها شخصية غامضة وخارقة ولها عَلاقة عميقة بالطبيعة، موهوبة وتتمتع بقوى شافية تمكنها من رؤية المستقبل – تعلم أن طفلها الأول سيكون فتاة وأن اثنين فقط من أطفالها سيعيشان ليشاهداها تموت. ومعظم سكان ستراتفورد أبون آفون يخافون منها، لكن ما جعلها مختلفة جذب إليها شكسبير فوقع في حبها. وها هو يخبر أخته عنها فيقول: “إنها ليست مثل أي شخص قابلته من قبل … يمكنها أن تنظر إلى الشخص فترى ما في روحه. لا تملك ذرة قسوة. سوف تأخذ شخصًا على ما عليه، وليس كما يجب أن يكون”.

ويمرض اثنان من أطفالهما – أولًا ابنتهما الصغرى جوديث، ثم أخوها التوأم هامنت – لتضطر أغنيس إلى الاعتناء بهما بمفردها. فزوجها في لندن يعمل في المسرح، ولم يكتشف أنهم مرضى إلا بعد فوات الأوان.

لا أحد يعرف سبب وفاة هامنت الحقيقي. إلا أن أوفاريل تقترح أنه الطاعون، وهو أمر معقول في تلك الحِقْبَة. أن تقرأ عن الطاعون الآن أمر يثير الاهتمام، إذ ليس كما نعرفه الآن. لقد كان موجات وبائية تجتاح البلاد وتقتحم البيوت ومنها عائلة أغنيس.

واضح منذ البداية أن قصة هامنت ستنتهي بمأساة. وبما أنه لا يمكنك إلا أن تصدق أن الأمر سيكون مختلفًا وأن آغنيس ستنقذه لهي شهادة على مدى موهبة المؤلفة. يذكرني ذلك إلى حد ما برواية جورج سوندرز Lincoln in the Bardo. فكلا الكتابين يستعرضان ردة فعل الشخصيات التاريخية على فقدان طفل على الرغم من أن باردو تفوقها خيالية. للأسف، كانت الأوبئة أمرًا مألوفا، فقد عاش ثلثا الأطفال فقط حتى عمر الخامسة في زمن لينكولن، وكانت الاحتمالات أسوأ بكثير في عصر شكسبير. يصور لنا أوفاريل و سوندرز فَدْحُ مأساة فقدان طفل حتى في زمن كان فيه الأمر متوقعًا إلى حد ما.

في نهاية المطاف، هامنت قصة تحكي كيف يبقى الوالدان أسارى وفاة طفلهما، في حين أن مسرحية هاملت هي قصة تحكي كيف أن الابن أسير موت والده. تربط أوفاريل بذكاء بين الاثنين وتقدم تفسيرًا مؤثرًا لكيفية توجيه شكسبير حزنه وشعوره إلى الكتابة. وهي بذلك تجعلني أرغب في قراءة المسرحية مرة أخرى.

وإذا كنت معتادًا على أسلوب شكسبير في الكتابة، رأيي أنك ستستمتع برواية هامنت. كما ستندهش من سهولة قراءتها بالرغْم من ثقل الموضوع. وإن أردت وجهة نظري فهي عاطفية وليست كئيبة. في نهاية الكتاب، تقول أغنيس إنها تتمنى لو تمكنت من “اختراق الحدود بين المتفرجين والممثلين، بين الحياة الواقعية والمسرحية”. لقد قامت أوفاريل بعمل رائع بتجاوزها هذا الحد الفاصل وبتصويرها كيف أثرت الحياة الواقعية على واحدة من أعظم مسرحيات التاريخ.

وائل رئيف سليمان

محرر صحفي، مترجم ومدير محتوى. حاصل على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والصحافة في جامعة دمشق 2005/2006. عمل محررا وكاتبا في الشؤون الدولية ومدير تحرير ومحتوى في وسائل إعلام سورية وعربية.

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق