تعليق

احتجاجات سائقي الشاحنات في أوتاوا اختبار للديمقراطية

CTV News Ottawa

ترجمات دريل
فادي حسن _ اللاذقية

حسب معايير الاحتجاجات الجماهيرية في العالم، تعتبر “قافلة الحرية” التي تهدر في وَسَط مدينة أوتاوا مصدرًا للإزعاج. عدد المتظاهرين متواضع؛ إذ يبلغ في ذروته حوالي 8000. لا توجد إصابات أو مشاجرات خطرة، وتوقف سائقو الشاحنات عن إطلاق أبواقهم بعد أن حصل السكان على أمر قضائي مؤقت ضدهم، ومعظم الكنديين لا يدعمون سائقي الشاحنات ولا قضيتهم. ومع ذلك، فإن ما يحدث في كندا يستحق اهتمامًا كبيرًا في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.

في بيئة سياسية يتزايد فيها الاستقطاب، أصبح سائقو الشاحنات الكنديون قضية مشهورة. وتدفقت التبرعات، مما دفع موقع التمويل الجماعي GoFundMe لسحب قابس الحملة بعد بضعة أيام بموجب سياسة “تحظر الترويج للعنف والمضايقات”، وهو فراغ ملأته بسرعة منصات التمويل الجماعي اليمينية. فظهرت قوافل مقلدة في أماكن بعيدة مثل أستراليا ونيوزيلندا.

جاء التهليل من الجنوب بإعلان دونالد ترامب أن “قافلة الحرية” تحتج سلمياً على السياسات القاسية للمجنون اليساري المتطرف جاستن ترودو، الذي دمر كندا بإجراءات كوفيد المجنونة”، في إشارة إلى رئيس الوزراء الكندي. أطلق السناتور تيد كروز على سائقي الشاحنات الكنديين لقب “أبطال”. وغرد إيلون ماسك قائلاً: “سائقي الشاحنات الكنديين يحكمون”؛ لتقترح النائبة مارجوري تايلور جرين أنه يجب اعتقال “شيوعيي الشركات” في GoFundMe.

تُظهر الصور الصاخبة من كندا، وهي دولة تشتهر بكونها نموذجًا للهدوء والتسامح والعقل، الدرجة المقلقة التي أصبحت فيها قيود Covid-19 والإجراءات الأخرى القاسية ليحولها اليمين المتطرف إلى رمز دائم لما يعتبرونه اعتداءات حكومية على “حرياتهم”. أطلق سائقو الشاحنات الكنديون قافلتهم في البداية في أواخر يناير للاحتجاج على مطلب تطعيم أولئك الذين يعبرون الحدود الكندية الأمريكية لتجنب الحجر الصحي لمدة 14 يومًا. كان هذا في حد ذاته سببًا للأقلية – فقط حوالي عُشر السائقين عبر الحدود لم يُطعّموا، وفقًا لتحالف الشاحنات الكندي، الذي تبرأ من الاحتجاج. (تلقى 86% من الكنديين ككل جرعة واحدة في الأقل). وجد استطلاع أجرته شركة بحوث السوق “ليجر” أن 65%من الكنديين يعتقدون أن قافلة الحرية لا تمثل سوى “قلة قليلة من الكنديين الأنانيين”.

بينما سببت الآلات العملاقة وهدير أبواقها بطء الحركة في العاصمة الكندية، دعا الكنديون الذين لا يشاركونهم مظالمهم إلى إنهاء الاحتجاجات. وأطلق رئيس شرطة أوتاوا عليه اسم “حصار”، وقال رئيس وزراء أونتاريو إنه “احتلال”، وأعلن عمدة أوتاوا حالة الطوارئ، وفي يوم الاثنين، أمر السيد ترودو البرلمان بغضب أن يوقف الاحتجاجات. لقد توقف عن التصريح باستخدام القوة العسكرية ضدهم، لكنه ذهب إلى حد القول إن المتظاهرين “يحاولون عرقلة اقتصادنا وديمقراطيتنا وحياة مواطنينا اليومية”.

نحن نختلف مع قضية المتظاهرين، لكن من حقهم أن يكونوا صاخبين حتى مزعجين. الاحتجاجات هي مظهر ضروري من أشكال التعبير في مجتمع ديمقراطي، ولا سيما بالنسبة لمن لا تحظى آرائهم بتأييد شعبي واسع. تتحمل الحكومات مسؤولية منع عنف المتظاهرين، لكن يجب أن تكون مستعدة لقبول درجة معينة من الاضطراب منهم. التحدي الذي يواجه المسؤولين الحكوميين – وهو نفس التحدي الذي واجهته مينيابوليس ومدن أخرى في عام 2020 في أثناء الاحتجاجات بعد مقتل جورج فلويد – هو الحفاظ على التوازن بين الصحة العامة والسلامة والمجتمع النشيط، مع الحق في حرية التعبير. من الخطأ الترويح لاستخدام القوة لتفريق أو احتواء الاحتجاجات القانونية. وكما قال السيد ترودو في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، في معرض الإعراب عن دعمه لاحتجاج المزارعين الهنود الذي استمر عامًا وأغلق الطرق السريعة الرئيسة المؤدية إلى نيودلهي، “كندا موجودة دائمًا للدفاع عن حق الاحتجاج السلمي”.

ولدت القافلة إحباطاً ضمنياً لدى قطاع عريض من الجمهور الكندي. مثل حركة “السترات الصفراء” في فرنسا التي أغلقت شوارع باريس ومدن أخرى لأشهر في أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، كان الدافع وراء سائقي الشاحنات الكنديين هو الغضب من مجموعة واسعة من المظالم التي لا يمكن حلها بسهولة من خلال المفاوضات. تكمن قوتهم في قدرتهم على التعطيل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، باستخدام صور بضعة آلاف من الأشخاص يشلّون حركة عاصمة وطنية ويعيقون التجارة الدولية لحشد الدعم العالمي.

ومع ذلك، لم تجد السترات الصفراء قضية ذات حماس واسع، بينما وجدها سائقو الشاحنات الكنديون، ونجاحهم في تحويل قيود فيروس كورونا إلى صرخة حاشدة للساخطين هو ما يجعل احتجاج أوتاوا مهمًا. في فرنسا، توجهت قافلة من عشرات الشاحنات والمركبات الأخرى، مستوحاة من احتجاجات أوتاوا، إلى باريس قادمةً من جنوب فرنسا يوم الأربعاء، مما دفع الشرطة إلى إعلان حظر مثل هذه الاحتجاجات باعتبارها خطرًا على النظام العام. أعلنت مجموعة أمريكية تطلق على نفسها اسم “قافلة إلى العاصمة 2022” نسخة أمريكية من الاحتجاج الشهر المقبل، بالرغم من إزالة شركة ميتا بسرعة لصفحة المجموعة من فيسبوك لانتهاكها سياساتها بشأن نشر معلومات مضللة عن اللقاحات.

تعد هذه الجهود الناشئة تحديًا للسيد ترودو والرئيس بايدن وكل زعيم يحاول استعادة درجة من الحياة الطبيعية مع الحفاظ على الدفاعات ضد المرض الذي ما يزال قادرًا على ملء المستشفيات والقتل بأعداد كبيرة. تعني القيادة الفعالة في هذه المرحلة من الوباء إيجاد طرق لمواجهة الإحباطات المعقولة والاحتجاجات المشروعة التي يولدها الوباء دون إثارة المزيد من الفتنة أو المساس بسيادة القانون أو الاستسلام لمطالب غير معقولة. مع استعداد الشعبويين مثل السيد ترامب لمهاجمة أي عمل من قبل الحكومة لـ Covid-19 باعتباره اعتداءً على “الحرية”، فإن الخروج بأمان من الوباء سيكون أكثر خطورة. يُعد السماح بالاحتجاج اللاعنفي، حتى لو كان مزعجًا، أداة مهمة للحفاظ على التماسك الاجتماعي في مجتمع مستقطب.


Punit Raghav

المصدر: Nytimes

فادي حسن

كاتب ومترجم مقيم في سوريا

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق