مثل غيرها من دول المحيطين الهندي والهادئ تعمل الهند أيضًا على تشديد موقفها السياسي تجاه الصين.

مع ازدياد أهمية المحيطين الهندي والهادئ والمشهد الجيوسياسي سريع التطور في آسيا جاءت تركيبة منطقة المحيطين الهندي-الهادئ في مركز الخطاب السياسي العالمي.
يسود المنطقة جو من الشك في السياسات الإقليمية الصينية التوسعية ومخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة طويل الأجل تجاه آسيا وسط قيود متأصلة في المؤسسات الإقليمية متعددة الأطراف القائمة. فهذه الجغرافيا الآن هي المسرح الجديد والموسع لتنافس القِوَى العظمى.
ابتعدت الهند عموماً عن اتخاذ موقف محدد بشأن سياسة القوة المتنازع عليها وحافظت على علاقات ودية مع معظم أصحاب المصلحة في المنطقة بالانخراط في علاقات ثنائية أو متعددة الأطراف مع شركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. استندت الهند أساساً في صياغة مفهومها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ على الشمولية والانفتاح ومركزية رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان). ولكن بسبب العدوان الصيني على الحدود الصينية الهندية، خاصة بعد اشتباك 15 يونيو 2020 مع قوات جيش التحرير الشعبي في وادي جالوان في لاداك، فإن الهند بصدد إعادة تحديد أولوياتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع حتى في أثناء إعادة تقييم افتراضاتها الكامنة وراء سياسة الصين.
إن اختيار العمل عن كثب مع البلدان ذات التفكير المماثل وتطوير موقف أقوى ضد “صعود الصين غير السلمي” تعتبره نيودلهي أولوية الآن. وكغيرها من دول المحيطين الهندي والهادئ تعمل الهند أيضا على تشديد موقفها السياسي تجاه الصين. ومع ذلك، فمن نواحٍ عدّة، كان صعود الصين دورًا أساسيًا في تشكيل رؤية نيودلهي من أجل منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة. أثارت طموحات الصين المتزايدة وموقفها العدواني المتزايد في السياسة الخارجية والمناوشات الحدودية مع نيودلهي شعوراً مقلقاً، مما أجبر الهند على تركيز طاقاتها على صعود بكين وترسيخ مكانتها، أي الهند، في دور قيادي في المحيطين الهندي والهادئ.




ظهر تحول ملحوظ في موقف السياسة الخارجية الصينية مؤخراً. منذ الأزمة المالية 2008-2009 دفع تصور الانفتاح الجيوسياسي الصين لاتخاذ خطوات أجرأ على المسرح العالمي. وتحت قيادة شي جين بينغ ترى الصين نفسها تتحرك إلى مركز الصدارة في السياسة العالمية حيث تسارعت التصورات حول التراجع النسبي الأمريكي. ينعكس موقف السياسة الخارجية العدوانية الصينية في السياسات الأمنية الحازمة التي تتبناها تجاه جيرانها. وهي منخرطة في نزاعات إقليمية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.
منذ عام 2013 بنت وسلّحت العديد من الجزائر والشعاب المرجانية التي تسيطر عليها في المنطقة وتصعيد موقفها العدواني تجاه نيودلهي، مع المشاحنات المتكررة مع الهند على طول خط السيطرة الفعلية (LAC). كما تحاول الصين ترسيخ مكانتها باعتبارها اللاعب الإقليمي الأول من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق (BRI). حتى في خضم الصراع العالمي ضد الوباء كانت الصين تضغط بنشاط على مطالباتها بالسيادة.
لقد أدت سياسات الصين الزاحفة التوسعية والتمدد الإقليمي إلى هدم فكرة “الصعود السلمي” للصين، وتقوم معظم الدول كالولايات المتحدة وأستراليا بإعادة ضبط سياساتها تجاه الصين وأولوياتها السياسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل عام. نظرًا لأن الصين أصبحت أكثر حزمًا في المنطقة فإن هذه الدول تعيد رسم استراتيجياتها الدفاعية وسياساتها الخارجية بشكل أكبر، وتتطلع إلى تعزيز التعاون مع الدول ذات التفكير المماثل.
مؤخراً، شاب العلاقات الصينية الهندية شيء من الاضطراب. رغم إعاقة النزاع الحدودي للعلاقات الثنائية لأكثر من نصف قرن يبدو أن وتيرة الأحداث على طول الحدود قد ازدادت في السنوات القليلة الماضية. في عام 2017 كانت أزمة دوكلام في التقاطع الثلاثي بين الهند وبوتان والصين هي التي جعلت العملاقين الآسيويين يقتربان من الصراع. على الرغم من أن البلدين قررا التعامل مع بعضهما البعض بعد هذه الأزمة، إلا أن هناك العديد من القضايا الأخرى التي جعلت من الصعب إعادة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها.
بعد مواجهة دوكلام عقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ قمة غير رسمية في عام 2018 في مدينة ووهان الصينية وتوصلوا إلى فكرة “روح ووهان” بين البلدين التي من شأنها أن تسمح لكليهما المضي قدما دون أن تشكل بالضرورة تهديدًا لبعضهما. التقى شي جين بينغ وناريندرا مودي في قمتهما غير الرسمية الثانية في أكتوبر 2019 في مامالابورام، بالقرب من تشيناي في جنوب الهند، واتفقا على إنشاء آلية جديدة رفيعة المستوى لتعزيز العلاقات التجارية وتحسين التوازن التجاري بين البلدين.


عموماً لم يكن لما يسمى بـ “روح ووهان” تأثير كبير في تحفيز العلاقات الصينية الهندية في اتجاه إيجابي. علاوة على ذلك، فإن مخاوف الصين من تطلعات الهند للعب دور أكبر على الساحة الإقليمية والعالمية ما تزال قوية. مع تصارع الدولتين على النفوذ في المناطق المجاورة وما بعدها كانت أزمة الحدود عام 2020 القشة الأخيرة لإعادة تقييم جوهرية لسياسة الهند تجاه الصين فضلاً عن آفاقها الإقليمية الأوسع. أصبحت إدارة التحدي الاستراتيجي تجاه الصين على رأس أولويات السياسة الخارجية للهند. مع تزايد المخاوف في الهند بشأن الميول التوسعية للصين فإن الهند مستعدة للشروع في دور أكثر نشاطًا في المنطقة، وهو ما ينعكس في مجموعة من الخيارات السياسية التي اتخذتها نيودلهي في الآونة الأخيرة حول كل من المنطقة والصين.
بالنظر إلى الحساسيات الصينية كانت الهند مترددة في وصف سياستها في المحيطين الهندي والهادئ بأنها “استراتيجية” لكنها أشارت إليها في الغالب على أنها “رؤيتها” لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. بينما تتشكل مجموعة رباعية أكثر قوة، وبينما تقوم القُوَى الإقليمية الأخرى أيضًا بإعادة ضبط علاقاتها بالصين تحاول الهند ابتكار نهج أقوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ مع الدول الأخرى ذات التفكير المماثل. قد يكون إضفاء الطابع الأمني على المجموعة الرباعية من خلال التدريبات العسكرية المشتركة والتحركات نحو إمكانية التبادل الخطوة الأولى مع ظهور بنية أمنية جديدة في الجغرافيا البحرية.
تعمل الهند على تصميم سياستها الخارجية والأمنية بهدف مواجهة التحدي الصيني في كل النواحي من التجارة والتكنولوجيا إلى التعاون الإقليمي والعالمي. لذلك، فإن هذا التحول الأوسع في الموقف الإقليمي للهند لن يكون له تأثير كبير على المسار المستقبلي للسياسة الخارجية الهندية فحسب بل على مصفوفة الأمن الإقليمي الأوسع أيضًا.
أضف تعليقًا