المواطنة والدولة السلايد الرئيسي

الديموقراطية في الشرق الأوسط معلقة. لماذا؟

هل يرى السياسيون مدى أهمية تدريب الأشخاص الذين يمكنهم التفكير في الأشياء بعقل ناقد؟
هل يرى السياسيون مدى أهمية تدريب الأشخاص الذين يمكنهم التفكير في الأشياء بعقل ناقد؟. صورة تعبيرية

يأس اقتصادي وانتصار النموذج الصيني

نزل مواطنو الشرق الأوسط إلى الشوارع عام 20111 مطالبين بحكومات أكثر تمثيلاً وعدالة اجتماعية وإصلاحات اقتصادية. أطاحت احتجاجات مصر وتونس بدكتاتوريين حكموا لعقود. أصاب الهلع الأنظمة الاستبدادية في أماكن أخرى من المنطقة كما لم يحدث من قبل. امتطى الربيع العربي صهوة الخيال في جميع أنحاء العالم وتحدى القناعات الراسخة حول الثقافة السياسية في المنطقة.

بيد إنه أمل عمره قصير على ما يبدو: إذ عاد النظام القديم برعبه بل وازداد قمعاً في بعض المناطق. إلا إن مسألة الديموقراطية ومستقبلها في الشرق الأوسط لم يحسم بعد. لقد فشلت الاحتجاجات وثمارها من حكومات ديموقراطية وليدة في إنهاء حقبة طويلة من الاستبداد، لكن هذا لا يعني بالضرورة تلاشي الرغبة في التغيير الديمقراطي. حتى عندما أعاد المستبدون ترسيخ سيطرتهم بُعَيد الربيع العربي، استمر العديد من المحللين في تأكيد ولادة تطلعات لترتيبات اقتصادية وسياسية جديدة من رحم الثورة، مما يشير إلى فجر حقبة أكثر شمولاً. ووفقاً لهذا الرأي، كان قوس التاريخ في الشرق الأوسط طويلًا جداً، لكنه مع ذلك كان يميل نحو الديمقراطية.

لهذا التفاؤل أسبابه التي ظهرت بعد عقد ونيف من الانتفاضات الأولى. ليس الأمر تعزيز السلطويين لحكمهم فحسب، بل، وهو الأهم، تغير المواقف تجاه الديمقراطية والحقوق السياسية بشكل كبير. فوفقًا لشبكة بحوث الباروميتر العربي اعتقد معظم سكان المنطقة إبان الثورة أن الديمقراطية أفضل نظام سياسي. في ثمانية من الدول العشر التي شملها استطلاع الباروميتر العربي في 2010-2011 أعرب أكثر من 70٪ من المشاركين عن هذا الرأي. لكن بحلول 2018-2019 انخفض الدعم: في سبعة فقط من أصل 12 دولة شملها الاستطلاع يفضل 70٪ في الأقل من المشاركين الديمقراطية على جميع الأنظمة الأخرى.

فإذا عرفنا أن معظم من خرجوا إلى الشوارع عام 2011 كانوا مدفوعين ليس فقط بالرغبة في الحرية ولكن أيضًا بسبب الإحباط الشديد من الظروف المادية لحياتهم عرفنا سبب تلاشي حماسة العالم العربي للديمقراطية. دوى شعار “الخبز والحرية والعدالة” خلال الانتفاضة المصرية – وهناك سبب وراء كون الخبز في رأس القائمة. وفقًا لاستطلاعات الباروميتر العربي التي أجريت في مصر وتونس عام 2011 رأى الشعبان أن الاعتبارات الاقتصادية هي السبب الرئيس لثورات الربيع العربي في بلادهم، لقد سئم المتظاهرون القمع السياسي، وغاضبين جداً من الفرص الضئيلة التي توفرها الأنظمة الاستبدادية. العشق الوليد للديموقراطية وحراك لأجلها أخفق بإنتاج حكومات ديمقراطية راسخة. أو أنه فشل أيضًا في إنتاج نوع التغيير الاقتصادي الذي يتوق إليه الناس في أنحاء الشرق الأوسط.

القضايا التي أعاقت التنمية الاقتصادية للمنطقة هي ذاتها منذ عقود: ارتفاع معدلات البطالة ولا سيما بين الشباب، وانخفاض معدلات المشاركة في القُوَى العاملة ولا سيما بين النساء؛ ونقص التعليم عالي الجودة وتزايد عدم المساواة وتفشي الفساد. بعد جائحة COVID-19 زادت الأمور سوءًا، ليس فقط بالمرض والموت، بل بانهيار أسعار النفط وانخفاض كبير في السياحة وتراجع شامل في النشاط الاقتصادي بجميع أنواعه. قدر صندوق النقد الدُّوَليّ أن معدل النمو السنوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2020 كان سالب 4.7%، وقدر البنك الدُّوَليّ أن الوباء جعل عشرات الملايين من المواطنين العرب في مستويات دخل تعتبر تحت خط الفقر في البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى.

كل هذه الضغوط قد تدفع بعض المراقبين إلى توقع انفجار آخر للاحتجاجات ودعوات للتغيير. في عام 2019، قبل ظهور الوباء، أُطيح بالديكتاتوريين القدامى في الجزائر والسودان، وأجبرت الاحتجاجات على تغيير الحكومة في العراق ولبنان. ومع ذلك، كانت الحركات التي تقف وراء هذه التطورات، إلى حد بعيد، تدعو إلى تحكم وإدارة اقتصادية أفضل بدلاً من الديمقراطية في حد ذاتها. يبدو أن شعوب العالم العربي قد استوعبت درسًا واحدًا قبل كل شيء من ثورات العقد الماضي: التغيير الديمقراطي لا ينتج بالضرورة تحسنًا اقتصاديًا. اليوم يميل الناس بالتأكيد في البلدان الأكثر استبدادية في جميع أنحاء المنطقة إلى النظر نحو أوضاعهم الاقتصادية في ضوء أكثر ملاءمة بشكل ملحوظ من الناس في البلدان التي تميل أكثر نحو الديمقراطية.

في أثناء تجاوز الربيع العربي عامه العاشر تراجعت الولايات المتحدة عن المنطقة بطرق أثارت الشكوك حول دعمها لأولئك الذين يعارضون الأنظمة القمعية. بالرغْم من رفض واشنطن عام 2011 تقديم دعم قوي للديكتاتور المصري حسني مبارك، حليفها القديم، إلا أنها رفضت أيضًا مواجهة الانقلاب العسكري عام 2013 الذي أطاح الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا التي ظهرت في النهاية بعد سقوط مبارك. ثم أن الولايات المتحدة لم ترفق مدحها الخطابي لمعارضة الرئيس السوري الأوتوقراطي بشار الأسد بدعم حقيقي.

مع تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة وركود الاقتصادات الإقليمية، أصبح النموذج الاقتصادي والتنموي الصيني، وبدرجة أقل، النموذج الروسي أكثر جاذبية للعديد من العرب، ولا سيما ما يتناقض مع الليبرالية الجديدة للغرب. يبدو أن النظامين الصيني والروسي، في الأقل كما يراه الكثيرون في الشرق الأوسط، يتجنبان الاضطراب السياسي للديمقراطية ويقدمان وعودًا بالاستقرار والنمو الاقتصادي. قد يكون لهذا التحول في المفاهيم تداعيات معقدة ومخالفة للحدس نوعاً ما على مستقبل التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط. فجأة في البلدان التي تميل نحو الديمقراطية مؤخراً، يميل الناس إلى رؤية الصين وروسيا كشريكين اقتصاديين أكثر فائدة من الولايات المتحدة – بينما في بعض دول الشرق الأوسط ذات الميول الاستبدادية، فإن فكرة تعزيز الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة هي الأفضل.

هل نفذت الديموقراطية؟

لصورة أكثر تفصيلاً عن هذه الاتجاهات في الشرق الأوسط، يفيدنا النظر في مجموعتين من البلدان التي أجرى فيها الباروميتر العربي مسوحات منتظمة خلال العقد الماضي. في المجموعة الأولى ثلاث دول ذات ميول استبدادية: مصر والمغرب والأردن. تشابهت مساراتها منذ الربيع العربي. لم تتحقق في أي منها التغييرات الرئيسية التي سعى إليها المتظاهرون عام 2011 بالكامل، والأنظمة التي حكمت قبل الثورات ما تزال قائمة إلى حد ما اليوم، وظل النمو الاقتصادي ضعيفًا نسبيًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الافتقار إلى إصلاحات كبيرة.

في مصر، أدت الاحتجاجات الحاشدة في أوائل عام 2011 إلى سقوط مبارك، تلتها انتخابات انتصر فيها مرشح موال للإخوان المسلمين. غير أن الانقلاب العسكري في 2013 أوقف التجربة الديمقراطية، وأعاد النظام القديم تأكيد نفسه في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. قلص السيسي الحقوق السياسية، لكن النمو الاقتصادي زاد بعد أن ظل ثابتًا في الغالب خلال المرحلة الديمقراطية القصيرة في مصر.

في المغرب، أدت الاحتجاجات الصغيرة في عام 2011 – وحذر النظام من الأحداث في أماكن أخرى – إلى إصلاحات دستورية. لكن التغييرات لم تغير النظام الملكي بشكل كبير، وحافظ الملك محمد السادس على الغالبية العظمى من السلطة. فقد انخفض متوسط معدلات النمو الاقتصادي تدريجياً خلال العقد الماضي، لكنه انخفض بشكل حاد منذ ظهور الوباء.

شهد الأردن أيضًا احتجاجات متواضعة في عام 2011، وهناك أيضًا، دعم النظام الملكي إصلاحًا دستوريًا محدودًا. في السنوات التي تلت ذلك، أجرى الملك عبد الله الثاني مزيدًا من الإصلاحات الدستورية، أولاً عام 2016 ومرة أخرى عام 2022، في جزء كبير منها استجابة للإحباط المتزايد من الركود الاقتصادي والأضرار التي سببها فيروس كورونا. لكن النظام الملكي لا يزال مسيطرا بقوة.

في المجموعة الثانية ثلاث دول ذات ميول ديمقراطية: العراق ولبنان وتونس. شملها استطلاع الباروميتر العربي والتي كانت الانتخابات فيها ذات أهمية أكبر. لكن حكوماتها المنتخبة فشلت في معالجة المشاكل الاقتصادية الكبرى. في أعقاب الغزو والاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، طور العراق نظامًا سياسيًا ليس ديمقراطيًا بالكامل ولكن السلطة فيه تتغير بانتظام من خلال الانتخابات. كان النمو الاقتصادي مضطرباً، ويرجع ذلك في الغالب إلى تقلب أسعار النفط، وهو الصادرات الرئيسية للعراق. وحتى مع ارتفاع أسعار النفط، يضمن الفساد المستشري تدفق ثروة قليلة نسبيًا إلى العراقيين العاديين.

لبنان أيضاً بعيد من الديمقراطية الكاملة، لكن نظام الحكم الذي انبثق عن اتفاق الطائف عام 1989 أدى إلى انتخابات منتظمة نسبيًا تتنافس فيها أحزاب متعددة. بالرغم من النظام المعقد لتقاسم المناصب الحكومية العليا بين الطوائف الرئيسية في البلاد، فقد تمكنت الانتخابات في العقود الأخيرة من تغيير ميزان القُوَى السياسية. لكن الفساد المستشري وفشل النخبة السياسية في معالجة التحديات الاقتصادية الطويلة الأمد أدى إلى أزمة شاملة في أواخر عام 2019، وبلغت ذروتها في تخلف البلاد عن سداد ديونها في عام 2020. ومنذ بدء الأزمة، خسرت الليرة 90 في المئة من قيمتها. استنتج البنك الدُّوَليّ أن لبنان قد يكون يعاني أسوأ ثلاثة انهيارات اقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر.

من بين البلدان التي شملها استطلاع الباروميتر العربي، تونس – بالرغم من التحول الاستبدادي الأخير – هي الأقرب إلى الخروج من الربيع العربي كديمقراطية كاملة، مع انتخابات منتظمة تتنافس فيها الأحزاب بحرية على السلطة الفعلية. ومع ذلك، فقد انخفض دخل الفرد هناك في العقد الماضي، ويرجع ذلك في معظمه إلى فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة جدية لتركة المشاكل الاقتصادية الموروثة من النظام السابق.

عند مقارنة هاتين المجموعتين يظهر تناقض صارخ في آراء المواطنين بشأن اقتصاد دولتهم: تميل تلك الموجودة في المجموعة الأولى إلى نظرة اقتصادية أكثر إيجابية بكثير من تلك الموجودة في الدول الثلاث ذات الميول الديمقراطية. في مصر صنف 41٪ من المواطنين الذين شملهم الاستطلاع اقتصادهم بأنه جيد أو جيد جدًا في 2018-2019؛ في المغرب، شارك 36 في المئة هذا التقييم. وفي الأردن، كانت النسبة 23٪. وبالمقارنة مع الدول الغنية والمتقدمة، حتى تلك الموجودة في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، فإن هذه الأرقام منخفضة جدًا. في الكويت مثلاً، رأى 77٪ من المواطنين الذين شملهم الاستطلاع أن اقتصادهم جيد أو جيد جدًا في عام 2019. لكن مستويات الرضا العام عن الظروف الاقتصادية في مصر والمغرب والأردن كانت أعلى عمومًا مما كانت عليه في العراق (21٪) ولبنان (14٪) وتونس (7٪).

تكرر هذا النمط عندما طُلب من المستجيبين تقييم أداء حكومتهم في خلق الوظائف. اتفق 22٪ من المستطلعين في مصر، و20٪ في المغرب، و14٪ في الأردن على أن حكومتهم تعمل جيدًا فيما يتعلق بالتوظيف. مرة أخرى، بالمقارنة مع البلدان الأكثر ثراء، هذه الأرقام منخفضة للغاية؛ في الكويت أيد أكثر من نصف المستجيبين هذا الرأي. ومع ذلك، فإنهم يتألقون مقارنة بتقييمات خلق الوظائف في البلدان الثلاثة ذات الميول الديمقراطية: 17٪ فقط من التونسيين، و6٪ من العراقيين، و4٪ من اللبنانيين أعطوا حكومتهم تقييماً إيجابياً بشأن خلق الوظائف.

المواطنون في البلدان ذات الميول الديمقراطية لا يستحوذون على أداء قادتهم في القضايا الاقتصادية فحسب، بل أصبح الكثيرون يعتقدون أن النظام الديمقراطي نفسه، في الأقل كما يعمل في بلدهم، هو المشكلة. في لبنان، وفقًا لمسح أجرته مؤسسة كونراد أديناور عام 2020، وافق 55٪ من المستجيبين على هذا البيان: “يجب على بلدنا إلغاء الانتخابات وأن يكون لدينا خبراء يحكمون”. في تونس وافق 45%. (لم يشمل المسح العراق). في البلدان الثلاثة ترسخ الشعور باليأس من المستقبل خاصة بين الشباب. في استطلاع المؤسسة قال 53٪ من اللبنانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا أنهم فكروا في مغادرة بلدهم وكذلك فعل 47٪ من التونسيين المشاركين في تلك المجموعة. وبالمقارنة، فإن النسب المئوية الأقل في الأردن (36%) والمغرب (31%) قد فكروا في مغادرة وطنهم.

المخاض التونسي

من بين البلدان الثلاثة ذات الميول الديمقراطية، ربما تقدم تونس أوضح مثال على كيف أدت الصعوبات الاقتصادية المستمرة إلى توتر الناس بشأن الديمقراطية. خلال العقد الماضي، كانت تعتبر البلاد في كثير من الأحيان على أنها أكبر أمل للديمقراطية في الشرق الأوسط. اقترح المحللون أنه من بين جميع بلدان المنطقة امتلكت تونس أفضل أساس للنجاح: شعب متجانس عرقياً ومتعلم جيداً نسبياً وطبقة وسطى كبيرة نسبيا وجيش كان غير سياسي عمومًا. في انتخابات الجمعية التأسيسية التي أعقبت الثورة، فاز حزب النهضة، وهو حزب إسلامي معتدل، بأغلبية المقاعد وحكم ضمن ائتلاف مع حزبين آخرين. بعد الأزمة الناتجة عن الاغتيالات السياسية البارزة في عام 2013، أُلّفت حكومة جديدة برئاسة رئيس وزراء تكنوقراطي في أوائل عام 2014. وفاز نداء تونس بالانتخابات في وقت لاحق من ذلك العام، وهو حزب علماني تأسس إلى حد بعيد لمعارضة النهضة.

لكن الاقتتال الداخلي المستمر داخل نداء تونس وتنافسه مع النهضة أدى إلى ضعف الحكومات. في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، هزم قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري الذي كان مغمورًا في السابق، نبيل القروي، زعيم الأعمال الشعبوي. كان كلا المرشحين من الخارج تمامًا، مما يشير إلى رفض واسع للنخبة السياسية من قبل المواطنين العاديين. بعدها، في العام الماضي، حل قيس سعيد البرلمان، مدعيا أن الأزمة الاقتصادية جعلت مثل هذه الخطوة ضرورية وإنهاء التجربة الديمقراطية في تونس بشكل فعال – مع قدر كبير من الدعم الشعبي. كما في مصر عام 2013، فقد غالبية المواطنين التونسيين الثقة في عملية التغيير ثمرة الربيع العربي.

واجه سعيد معارضة قليلة نسبيًا لأن التحول الديمقراطي في تونس فشل في تحقيق فوائد اقتصادية ملموسة وحلول لشعبها. اليوم، اقتصاد البلاد في حالة أسوأ مما كان عليه قبل الربيع العربي: في عام 2011، بلغ دخل الفرد في تونس 4265 دولارًا؛ بحلول عام 2020، انخفض إلى 3320 دولارًا. ومن الطبيعي ازدياد الإحباطات الاقتصادية للناس. عام 2011، بعد بضعة أشهر فقط من سقوط الدكتاتور زين العابدين بن علي، قال 27٪ من التونسيين الذين شملهم استطلاع الباروميتر العربي أنهم يعتقدون أن اقتصادهم في حالة جيدة أو جيدة جدًا. عام 2018 انخفض هذا الرقم إلى 7٪ فقط.

خلص العديد من التونسيين إلى أن جذور المشكلة تكمن في النظام ذاته الذي حاربوا من أجله بعد الإطاحة ببن علي. عام 2011 عندما سئل عما إذا كانت الأنظمة الديمقراطية غير حاسمة ومليئة بالمشاكل وافق 19٪ فقط من التونسيين. بحلول عام 2018 كان هذا الرقم 51٪. عام 2011 وافق 17٪ من المستجيبين التونسيين على عبارة “الأداء الاقتصادي ضعيف في الأنظمة الديمقراطية”. بحلول عام 2018 زادت هذه النسبة بأكثر من الضعف لتصل إلى 39٪. كان هذا الاتجاه واضحًا بشكل خاص بين الشباب التونسي الذين بلغوا سن الرشد أثناء الانتقال الديمقراطي. في عام 2011 ربط 21٪ فقط من التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا الديمقراطية بالأداء الاقتصادي الضعيف. بحلول عام 2018، قفز هذا الرقم إلى 43%. وليس من الصعب معرفة السبب. وبحسب الخبير الاقتصادي التونسي المنجي بوغزالة، “تبلغ نسبة العاطلين عن العمل [في تونس] الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا 85%. وكلما ارتفع مستوى التحصيل العلمي ارتفع معدل البطالة: 40 في المائة من العاطلين عن العمل يحملون شهادات جامعية “.

حلول استبدادية

ما يظهر بوضوح من نتائج الباروميتر العربي هو رسالة صارخة: العرب العاديون يريدون الكرامة الاقتصادية ويبحثون بشدة عن نظام حكم يمكن أن يقدمها. وبفشل الديمقراطية في تحقيق النتائج الاقتصادية عبر الشرق الأوسط، فإن العديد من العرب العاديين – بمن فيهم بعض الذين كانوا يأملون في الديمقراطية قبل عقد من الزمن – يبدون الآن أكثر انفتاحًا على الأنموذجات الاستبدادية التي قدمتها الصين وروسيا. منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، انتشل النظام الصيني أكثر من 800 مليون شخص من براثن الفقر المدقع، وفقًا للبنك الدُّوَليّ – وهو مجرد نوع من التحول الاقتصادي الذي يسعى الكثيرون في جميع أنحاء الشرق الأوسط بشدة إلى تحقيقه. في الصين، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2194 دولارًا في عام 2000 ووصل إلى 10431 دولارًا في عام 2020. وتضاعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا أربع مرات تقريبًا خلال تلك السنوات العشرين، من حوالي 7000 دولار إلى حوالي 28000 دولار. وفي الوقت نفسه، تضاعف بالكاد متوسط ​​نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان الغنية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث ارتفع من حوالي 25000 دولار إلى حوالي 45000 دولار.

مع تركيز الولايات المتحدة بشكل أقل على الشرق الأوسط، دخلت الصين وروسيا. من طريق مبادرة الحزام والطريق، وقعت بكين اتفاقيات تعاون اقتصادي مع العديد من الحكومات العربية. كما أشار الباحث تشارلز دن، “أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة في عام 2016، ومنذ افتتاح مبادرة الحزام والطريق، ضخت بكين ما لا يقل عن 123 مليار دولار في الشرق الأوسط في تمويل المشروعات المرتبطة بهذه المبادرة”. لم تقدم روسيا نفس النوع من المساعدات الاقتصادية لكنها أدّت دورًا عسكريًا نشطًا. بواسطة التدخل لدعم حلفائها في ليبيا وسوريا، أشارت موسكو إلى إعادة مشاركتها مع المنطقة بعد عقود من الانكماش في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.

ليس من المفاجئ إذن أن يميل العديد من العرب إلى الرغبة في أن تقيم حكومتهم علاقات اقتصادية أقوى مع بكين وموسكو، حتى لو كان ذلك يعني تقليص الروابط الاقتصادية لبلادهم مع الولايات المتحدة. ولكن يظهر هنا نمط كاشف من استطلاعات الباروميتر العربي: في البلدان ذات الميول الديمقراطية، يفضل الناس بوضوح العلاقات الاقتصادية المحسنة مع الصين وروسيا على الروابط الاقتصادية الأقوى مع الولايات المتحدة، بينما في البلدان ذات الميول الاستبدادية، يفضل الناس تحسين العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة. العلاقات مع الولايات المتحدة تحتفظ بقدر كبير من الجاذبية. في لبنان في عام 2018 أراد 42٪ من المشاركين علاقات اقتصادية أقوى مع الصين، وأراد 43٪ منهم علاقات اقتصادية مع روسيا، بينما أراد 36٪ فقط علاقات أقوى مع الولايات المتحدة. ومن بين العراقيين فضل 51٪ تقوية العلاقات مع الصين، و43٪ مع روسيا، و35٪ فقط مع الولايات المتحدة. في تونس وافق 63٪ على رغبتهم في رؤية علاقات أقوى مع الصين، و 50٪ مع روسيا، و45٪ فقط مع الولايات المتحدة. لا يبدو أن المواطنين في هذه البلدان يأخذون في الحسبان النظام الديمقراطي للولايات المتحدة عند تكوين آراء حول العلاقات الاقتصادية مع واشنطن.

الصورة أكثر تعقيدًا في البلدان ذات الميول الاستبدادية، حيث كانت احتمالات العلاقات الاقتصادية القوية مع الولايات المتحدة أفضل حالًا. في الأردن وافق 70٪ من المستطلعين على أنهم يريدون علاقات اقتصادية أقوى مع الصين، أعلى من الـ 57٪ الذين ردوا بنفس الطريقة فيما يتعلق بالولايات المتحدة. لكن 43٪ فقط كانوا يفضلون إقامة علاقات أقوى مع روسيا. في مصر، حصلت روسيا على أعلى تقييم: 38٪ من المستجيبين أعربوا عن رغبتهم في علاقات اقتصادية أقوى مع روسيا، و36٪ أرادوها مع الولايات المتحدة، و30٪ مع الصين. في المغرب، أراد 49٪ من المشاركين روابط اقتصادية أكبر مع الصين، و43٪ مع الولايات المتحدة، و40٪ مع روسيا.

من بين القُوَى العالمية، كانت الصين الشريك الاقتصادي المحتمل الأكثر شعبية في 12 دولة شملها المسح العربي للباروميتر في 2018-2019. ومع ذلك، ليس من الواضح إلى أي مدى قد تفيد هذه العلاقات الوثيقة بكين، في الأقل من حيث كسب قلوب وعقول العرب العاديين، خاصة في أعقاب جائحة. COVID-19 بالرغْم من جهود الصين الحثيثة في “دبلوماسية اللقاح”، على سبيل المثال، تغيرت وجهات النظر حول الصين في المنطقة قليلاً نسبيًا بين صيف 2020 وربيع 2021، وفقًا لاستطلاعات الباروميتر العربي التي أجريت في سبع دول هناك.

أي شيء قد ينجح

مع استمرار انتشار الديمقراطية والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط، يلقي العديد من المحللين باللوم على ما يعتبرونه عيوبًا في الثقافة السياسية العربية، التي يعتبرها البعض غير ملائمة بشكل فريد للديمقراطية. هذا الرأي خاطئ؛ ليس فقط لأنه يبرئ الجهات الخارجية التي تدعم الحكام الاستبداديين في الشرق الأوسط لتعزيز مصالحهم الخاصة، ولكن أيضًا لأنه يتجاهل دور الركود الاقتصادي في انقلاب العديد من العرب العاديين ضد فكرة التغيير الديمقراطي.

التراجع الحاد في الاهتمام والإيمان بالديمقراطية في السنوات الأخيرة لا يظهر فشل الأنظمة السياسية العربية في إدراك قيمة الحرية. بل إنه يفضح فشل الجهات الدولية والإقليمية والمحلية في حل المشاكل الاقتصادية المُتَجذّرة في المنطقة. لإبطاء تقدم الاستبداد وإعطاء المثاليات الديمقراطية والليبرالية فرصة أخرى في الشرق الأوسط، تحتاج الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدولية إلى العودة إلى الأساسيات. أي جهد لتعزيز الديمقراطية يجب أن يأخذ في الاعتبار تطلعات المواطنين إلى الكرامة الاقتصادية. لن تقنعهم المفاهيم المجردة وحدها. يتوق العرب إلى الحرية والعدالة – ولكن إذا لم توفر الديمقراطية الخبز أيضاً فسوف يدعم العرب الأنظمة السياسية التي تفعل ذلك.

المصدر: اضغط هنا

وائل سليمان

كاتب صحفي، مجاز إعلام جامعة دمشق 2005، عمل/كتب في وسائل إعلام سورية وعربية

فادي حسن

كاتب ومترجم مقيم في سوريا

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق