الأرشيف

السلايد الرئيسي المواطنة والدولة حريات وحقوق

انتقام الذكور.. لماذا يخاف المستبدون النساء

انتقام الذكور.. لماذا يخاف المستبدون النساء
UPRISE / ANGRY WOMEN Exhibit artwork, The Untitled Space Gallery, New York - Danielle Siegelbaum-Shouting

ترجمات دريل

يعج بانثيون الطغاة بالكثير من المتحيزين جنسياً، من نابليون بونابرت الذي منع تجريم قتل الزوجات الخائنات، إلى بينيتو موسوليني الذي ادعى أن النساء “لم يخلقن شيئاً أبداً”. في القرن الماضي حققت المرأة مكاسب لا يستهان بها من حق التصويت إلى الرعاية الاجتماعية وغيرها بالتوازي مع التحول الديموقراطي. ولكن في هذا القرن نشهد ترابطاً عضوياً قوياً بين الاستبداد وكراهية النساء وهجوما يشنه الأول على المرأة والديموقراطية يهدد بتقويض انتصارات الجبهتين.

يصبغ المستبد الذكر ديموقراطيته بلون الماضي فيعيد الأدوار التقليدية للجنسين كما في البرازيل والمجر وبولندا حيث الأنظمة استبدادية وينتقد “إيديولوجيا الجندر”، وهو مصطلح تصفه منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه يعني “لا شيء وكل شيء”. حتى في الولايات المتحدة تتراجع حركة المساواة بين الجنسين التي شهدت تحسناً منذ السبعينيات. إذ تحالف ترامب مع دول تعتنق مناهضة الحركات النسوية كالبحرين والسعودية لوقف توسع حقوق المرأة في أنحاء العالم. وبالرغم من التزام إدارة بايدن بالمساواة بين الجنسين على المستوى الوطني تحاول الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون عكس الحق الدستوري في الإجهاض الذي أصبح أضعف مما كان عليه منذ عقود.


حذّر مؤشر المرأة والسلام والأمن في جامعة جورج تاون من تباطؤ تطبيق قوانين المساواة بين الجنسين مؤخراً التمثيل النسائي سياسياً واقتصادياً وتعليمياً في العالم وهذا ليس بغريب. كما تفاقم العنف المنزلي تجاه المرأة وشهدت دول مثل هندوراس والمكسيك وتركيا زيادات كبيرة في جرائم قتل الإناث. ازدادت هذه التوجهات إثر جائحة كوفيد-19 لتجبر ملايين النساء على ترك مكان العمل والتخلي عن الكثير من الضمانات.

تزامن الاعتداء على حقوق المرأة مع اعتداء أوسع على الديمقراطية. وفقاً لمؤسسة فريدوم هاوس ومشروع أصناف الديمقراطية بجامعة جوتنبرج، شهدت السنوات الخمس عشرة الماضية انتعاشاً للاستبداد. فالدول التي كانت ديموقراطية نسبياً تسير الآن نحو الاستبداد كالبرازيل والمجر والهند وبولندا وتركيا. والدول التي كانت استبدادية جزئياً قبل عشر سنوات كروسيا أصبحت الآن استبدادية بالكامل. وفي دول اعتبرت أعمدة الديموقراطية في العالم الحديث كفرنسا وسويسرا وبريطانيا تتصاعد الآن المشاعر المعادية للديموقراطية في أحزابها الحاكمة.

هذا التزامن ليس صدفة. فقد لاحظ علماء السياسة ترابطاً عضوياً بين حقوق المرأة والديموقراطية لكنهم تأخروا في إعلان أن الأول هو شرط للثاني. فللمستبد سبب وجيه ليخاف من انخراط المرأة في السياسة لأن شعبيتها تزيد احتمال نجاح أي حراك شعبي وبالتالي تحقيق الديموقراطية. إذاً فهن يهددن الكيان الذكوري الاستبدادي وشهوته للسلطة.

من المهم فهم العلاقة بين التحيز الجنسي والتراجع الديموقراطي لمن يرغب في مقاومة كليهما. بالمستبد يتخذ من العلاقات الهرمية سلاحاً. وبعد عمر نضالي طويل أثبتت الحركات النسوية أنها سلاح جبار ضد الاستبداد لا يمكن تجاهله.

نساء على الخطوط الأمامية

لطالما رأى منظرو الديموقراطية قوة المرأة ثمرة إرساء الديموقراطية أو حتى نتيجة التحديث والتنمية الاقتصادية. في السبعين عاماُ الأخيرة جاء التحول الديموقراطي نتيجة لمطالب النساء بالاندماج السياسي والاقتصادي خاصة عندما اتخذن أدواراً قيادية في هذه المطالب. ومنها التحولات التي شهدتها أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا خلال الثمانينات والتسعينات. وبالتقصي نرى أن كافة حركات المقاومة الرئيسية خلال فترة ما بعد الحرب – تلك التي تسعى للإطاحة بالحكومات الوطنية أو تسعى للاستقلال – أظهرت النساء كعناصر داعمة بتأمينهن الطعام والمأوى والمعلومات والتمويل وغيرها.

ولكنها تباينت من حيث عدد النساء الواقفات في الخط الأمامي – أي اللواتي شاركن مباشرة في الميدان. ففي بعضها كالحركة المؤيدة للديموقراطية في البرازيل منتصف الثمانينات بلغ نصف المشاركين تقريباً من النساء في الخطوط الأمامية. حين كان عددهن متواضعا في الحركة المناهضة للملكية في النيبال. والحملة الوحيدة التي استبعدت منها النساء بالكامل كانت في الانتفاضة المدنية للإطاحة بماهندرا شودري في فيجي 2000.

في النصف الأول من القرن العشرين أدّت النساء دوراً فعالاً في الحركات النضالية التحررية المناهضة للاستعمار في أفريقيا والثورات اليسارية في أوروبا وأمريكا اللاتينية. بعدها في الحركات الديموقراطية في ميانمار والفلبين رأينا الراهبات يحمين بأجسادهن المحتجين من قوات الأمن. وفي فلسطين خلال الانتفاضة الأولى كان للمرأة الدور الأبرز في المقاومة السلمية للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة بواسطة الإضرابات والاحتجاجات والحوارات مع النساء الإسرائيليات. وفي الولايات المتحدة الأمريكية أطلقت النساء الأمريكيات من أصل أفريقي حركة “بلاك لايفز ماتر” التي ما تزال مستمرة وأضحت ظاهرة عالمية.

ففيهن تنعكس شخصيات أسلافهن مثل إيلا بيكر وروزا باركس وفاني لو هامر وغيرهن أمريكيات من ذات العرق قمن بتخطيط وتعبئة وتنسيق الجوانب الرئيسية لحركة الحقوق المدنية الأمريكية. وللربيع العربي حصته إذ ساعدت امرأتان هما وديد بوشماوي وتوكل كرمان في قيادة انتفاضات الربيع العربي في تونس واليمن، على التوالي، وفازتا لاحقًا بجائزة نوبل للسلام لجهودهما في إحداث تحولات ديمقراطية سلمية من خلال المقاومة اللاعنفية وبناء التحالفات والتفاوض. وغيرهن الملايين اللواتي دعمن الحركات ضد بعض أكثر الديكتاتوريات قمعية في العالم، من بائعات الشاي والمغنيات في السودان إلى الجدات في الجزائر إلى الأخوات والزوجات في تشيلي يطالبن بعودة أحبائهم المفقودين خارج القصر الرئاسي لأوغوستو بينوشيه.

رفعت مشاركة المرأة في الحركات الجماهيرية كرأس حربة احتمالية النصر الفوري أو على المدى الطويل أكثر من تلك التي همشت النساء واستبعدتهن. ولكنها كانت أكثر ميلاً للحركات السلمية منها للعنيفة. فمشاركتها في الأولى أكثر من الثانية. ولنشرح لماذا يزيد وجودها في الخطوط الأمامية لحركة ما من احتمالية نجاحها يجب علينا أولاً أن نفهم لماذا تنجح الحركات اللاعنفية أو تفشل.

عموماً من المحتمل انتصار الحركات الانقلابية أو الاستقلالية عندما تحشد أعداداً كبيرة من الناس، وتحويل ولاءات بعض أركان دعم النظام في الأقل، واستخدام تكتيكات مبتكرة كالإضرابات المتتالية، إضافة إلى النزول إلى الشوارع والحفاظ على الانضباط والصمود في وجه قمع الدولة وتحركاتها المضادة من قبل أنصار النظام. كل ذلك يتحقق بمساعدة المرأة.

أولاً القوة في الكثرة، فالحركات التي تستبعد المرأة أو تهمشها تقلل من مجموع المشاركين بمقدار النصف على الأقل. وشرعية الحركة تأتي من مدى اتساع قاعدتها الشعبية. كما تقوى الحركة على تعطيل الوضع الراهن من كمية التعبئة. قد تؤدي الإضرابات العامة وغيرها إلى تعطيل المحيط مما يفرض تكاليف اقتصادية وسياسية فورية على النظام. كما يمكن لهذه التعبئة أن تولد إحساساً بالحتمية يقنع الرافضين والمعتصمين من النخب السياسية والتجارية وأعضاء قوات الأمن بالانضمام إليها، فالناس تحب الفريق الفائز.

ثانياً، تحسن الحركات الشعبية فرصها في النجاح بإقناع أو إجبار خصومها على الانشقاق. في بحث حول المواقف العامة تجاه الجماعات المسلحة وجد الباحثون أن المقاتلات يزدن شرعية تحركاتهن في نظر المراقبين. وربما الشيء نفسه مع الانتفاضات الجماهيرية اللاعنفية. كما تؤدي المشاركة الكبيرة للنساء وفعاليات أخرى إلى زيادة الذخيرة الاجتماعية والأخلاقية والمالية تستخدمه الحركة لتقويض أساسات الخصم.

عندما تبدأ قوات الأمن أو النخب التجارية أو الموظفون المدنيون أو وسائل الإعلام الحكومية أو العمال المنظمون أو المانحون الأجانب أو غيرهم من المؤيدين أو الداعمين للنظام في التشكيك في الوضع الراهن، فإنهم يشيرون إلى الآخرين بإمكانية تحدي هذا النظام. في في أثناء ثورة سلطة الشعب في الفلبين عام 1986 أمر الرئيس فرديناند ماركوس قوات الأمن بمهاجمة حشود المتظاهرين المطالبين بالإطاحة به. لكن الراهبات المشاركات وضعن أنفسهن بين الدبابات والمتظاهرين ما كبح القوات الأمنية عن متابعة الهجوم، متجنبة مجزرة قد تغير مسار الثورة. بعدها انشقت شخصيات رفيعة المستوى وفر ماركوس أخيراً من البلاد وتحقق الانتقال الديمقراطي.

ثالثاً توسيع نطاق التكتيكات وأنماط الاحتجاج المتاحة لها. ففي الحالات التي دُرست تبين أن التنوع يساعد العمل الجماعي والابتكار والأداء، والحركات الجماهيرية ليست استثناء. وبالأخص الإبداع والتعاون تستفيد منهما الحركات في شبكات المعلومات الأوسع والحفاظ على الزخم في مواجهة إرهاب الدولة. تتيح مشاركة المرأة أيضاً تكتيكات جنسانية ثقافية مثل المسيرة بملابس ملكة الجمال الكاملة كما فعلت في احتجاجات ميانمار المؤيدة للديمقراطية عام 2021، أو طهي الطعام في الخطوط الأمامية للتظاهرات، كما فعلت خلال انتفاضة المزارعين في 2020 و2021 في الهند، أو الاحتجاج بالتعري كما فعلت في كينيا ونيجيريا والعديد من البلدان الأخرى لفصح خصومهن أو نزع سلاحهم. اعتمدت بعض حركات الاحتجاج على الفضيحة الاجتماعية.

فخلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في الجزائر في عام 2019 طلبت الجدات من شرطة مكافحة الشغب العودة إلى بيوتهم، وهددن بإبلاغ أمهاتهم بسلوك الضباط السيئ. وفي السودان في نفس العام، قامت مجموعة نسائية على فيسبوك بتسمية رجال شرطة يرتدون ملابس مدنية وفضحهم كاشفين عن أقاربهم كأعضاء في الميليشيات التي تعمل في الظل لترويع المعارضة وإجبارها على الخضوع.

طورت النساء أيضاً أشكالاً أخرى من عدم التعاون الجنساني لصالح الحركات الجماهيرية. فكر في أصل كلمة “مقاطعة” (بالانجليزية بويكوت). في أواخر القرن التاسع عشر رفضت الطباخات والخادمات والغسالات في مقاطعة مايو بأيرلندا خدمة مالك بريطاني غائب يُدعى الكابتن تشارلز بويكوت. وشجعن الآخرين على الانضمام إليهن، مما جعل بقاء الكابتن بويكوت البقاء في أيرلندا مستحيلاً فاستلهمن اسماً جديداً لتكتيكهن.

كما كانت النساء رائدات في أشكال أخرى من عدم التعاون الاجتماعي. على الرغم من أن الإضراب الجنسي ضد الحرب في ليسستراتا كان خيالياً، فمن المحتمل أن أريستوفانيس كان لديه بعض السوابق التاريخية في ذهنه عندما كتب المسرحية الكوميدية. نظمت الناشطات إضرابات جنسية على مدى آلاف السنين: استخدمت نساء الإيروكوا هذه الطريقة وغيرها لتأمين حق النقض على قرارات الحرب في القرن السابع عشر، واستخدمته الليبيرات للمطالبة بإنهاء الحرب الأهلية في السنوات الأولى من هذا القرن، واستخدمته الكولومبيات للحث على إنهاء عنف العصابات وهلم جراً.

ثلاثة عوامل تسهل تحقيق العامل الرئيسي الرابع في نجاح الحركات السلمية: وهو الانضباط. عندما تحافظ الحركات على المقاومة اللاعنفية في مواجهة العنف أو تكتيكات قوات الأمن فقد تحشد دعماً إضافياً وتنجح في النهاية. واتضح أن وجود نساء على الخطوط الأمامية يجعل الحراك أقل عرضة لاحتضان العنف بشكل كامل أو إنشاء أجنحة تعتمد العنف رداً على حملات النظام القمعية. قد يكون ذلك جزئياً على الأقل لأن وجود أعداد كبيرة من النساء على الخطوط الأمامية يؤدي إلى اعتدال سلوك المتظاهرين الآخرين وكذلك الشرطة. وتفسير هذه الظاهرة ربما يعود لوجود المحرمات الجنسانية ضد العنف العام ضد المرأة وضد المواجهات العنيفة في حضور النساء والفتيات. والحال نفسه مع القمع العنيف للنساء المشاركات الذي قد يكون ذا كلفة سياسية كبيرة.

الشرطة التركية تمنع النساء أثناء تظاهرهن ضد قرار تركيا الانسحاب من اتفاقية اسطنبول ، في اسطنبول ، تركيا ، 1 يوليو 2021. [EPA-EFE / SEDAT SUNA]
تعليقات

لكن النساء من خلفيات مختلفة يواجهن مخاطر مختلفة من القمع العنيف. غالباً ما تأتي النساء في الخطوط الأمامية للحركات المطالبة بالديمقراطية وتوسيعها من الطوائف والطبقات والأقليات المضطهدة. هن طالبات وشابات وأرامل وجدات. غالباً ما تم تجاهل النساء من الخلفيات المهمشة أو تعرضن لعنف أكبر خلال التعبئة الجماهيرية أكثر من النساء الثريات أو المتميزات اللائي يستفدن من الاستبداد الأبوي. لذلك نجحت النساء الألمانيات “الآريات” في تأمين إطلاق سراح أزواجهن اليهود في أثناء احتجاج Rosenstrasse في برلين عام 1943، في حين اعتقل أو أعدم النساء اليهوديات بسبب مثل هذا الاحتجاج. واجه الأمريكيون السود الذين دعموا حركة الحقوق المدنية الأمريكية مخاطر أكبر بكثير مما واجهه البيض الذين شاركوا كحلفاء. لا يمكن التغلب على ديناميكيات الامتياز والسلطة هذه إلا عن طريق التحالفات المستدامة عبر الطبقات الاجتماعية أو العرقية، وهذا هو السبب في أن مثل هذه التحالفات ضرورية لمواجهة القمع الاستبدادي العنيف ودفع المجتمعات نحو المساواة والديمقراطية للجميع.

المد الصاعد

لا ترفع مشاركة المرأة في الخطوط الأمامية للحراك الشعبي من احتمال تحقيق الهدف قصير المدى، كالإطاحة بدكتاتور قمعي، فقط بل تجعل هذا الحراك أكثر احتمالا لتأمين تغيير ديمقراطي دائم. يُظهر تحليلنا السيطرة على مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى التي قد تجعل الانتقال الديمقراطي أكثر احتمالية – مثل تجربة الدولة السابقة مع الديمقراطية – أن المشاركة النسائية الكبيرة في الخطوط الأمامية مرتبطة إيجاباً بزيادة الديمقراطية القائمة على المساواة على ما يحدده المشروع الديموقراطي.

بعبارة أخرى، مشاركة المرأة في الحركات الجماهيرية هي بمنزلة مد صاعد يرفع كل القوارب. وجد الباحثون أن عمليات الانتقال الشاملة تؤدي إلى تسويات تفاوضية أكثر استدامة وديمقراطية أكثر ديمومة بعد الحروب الأهلية. بالرغم من قلة البحوث حول التسويات التي أنتجتها التعبئة اللاعنفية، فمن المحتمل أن يترجم وجود المرأة إلى مطالب متزايدة للمشاركة الانتخابية والفرص الاقتصادية والوصول إلى التعليم والرعاية الصحية – وكلها تجعل التحولات الديمقراطية أكثر احتمالاً.

ماذا يحدث عندما تُهزم التعبئة الشعبية الشاملة ولا تحدث أي انتقالات؟ سيكون رد الطاغية عنيفاً ذكورياً ترعاه الدولة. كلما زادت نسبة النساء في الحركة المهزومة ارتفعت درجة رد الفعل الذكوري – وهي ديناميكية لها آثار مشؤومة على أفغانستان وبيلاروسيا وكولومبيا وهونغ كونغ ولبنان وميانمار وروسيا والسودان وفنزويلا، وكلها لديها حالياً حركات قوة جماعية شاملة نتائجها غير مؤكدة. يُظهر بحثنا أن البلدان ذات الحركات الشعبية الفاشلة تميل إلى مواجهة تراجع كبير في كل من الديمقراطية القائمة على المساواة والمساواة بين الجنسين مما يجعلها أسوأ حالاً مما كانت عليه قبل بدء الحركات. بعبارة أخرى، فإن التأثير المثير للإعجاب لمشاركة النساء في الخطوط الأمامية على احتمالية التحول الديمقراطي مرهون بانتصار الحركة؛ تنجح مشاركة المرأة في تحقيق التغيير الديمقراطي وتقوية المرأة فقط عندما تنجح الحركة الأوسع.

خُطَّة الطاغية

استجاب الطغاة وأمثالهم لتهديد التعبئة السياسية للمرأة من خلال تقويض التقدم المحرز في المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. فدوافعهم ليست إستراتيجية بالكامل – ربما يؤمن الكثيرون بالأفكار الجنسية – لكن نظرتهم للعالم نظرة أنانية.

في الدول الاستبدادية بالكامل تكون آليات القمع الجنسي وحشية على شكل سيطرة مباشرة للدولة على إنجاب المرأة، كالحمل القسري أو الإجهاض القسري، وخطاب الكاره للمرأة الذي يشرع ويشجع العنف ضد المرأة، وقوانين وممارسات تقلل أو تقضي على تمثيل المرأة في الحكومة أو تمنع المرأة من دخول مكان العمل أو تطويره.

في الصين أطلق شي حملة قمع ضد الأويغور والأقليات العرقية والريفية الأخرى، مما أجبر العديد من النساء على تحديد النسل والإجهاض حتى التعقيم. وفرض الغرامات أو السجن على النساء بسبب ما تعتبره بكين كثرة الأطفال. في مصر سيطرت الدولة على إنجاب المرأة بشكل معاكس: الإجهاض غير قانوني في جميع الظروف وعلى المرأة طلب إذن القاضي للطلاق بينما يستثنى الرجال. في روسيا، حيث كان الإجهاض قانونياً تحت أي ظرف من الظروف منذ عام 1920، حاولت حكومة بوتين عكس اتجاه الانخفاض في عدد السكان في البلاد عن طريق تثبيط عمليات الإجهاض وتعزيز القيم “التقليدية”. في هذه البلدان الثلاثة، بالرغْم من وجود الالتزامات الدستورية الاسمية لحماية المرأة من التمييز بين الجنسين فإن تمثيل المرأة ناقص بشكل مفزع في القُوَى العاملة وفي الأدوار الرسمية القوية.

في البيئات الأقل استبداداً، حيث لا يمكن فرض سياسات متحيزة ضد المرأة علناً، يستخدم القادة ذوو الميول الاستبدادية وأحزابهم السياسية خطاباً ضد المرأة لإثارة الدعم الشعبي لأجنداتهم الرجعية، وغالباً يتسترون في زي الشعبوية، ويروجون روايات كارهة للنساء عن “الأنوثة الوطنية” التقليدية. وقد وصفت الباحثة نيتاشا كول هؤلاء القادة بأنهم يدفعون “للقوميات القلقة وغير الآمنة” التي تعاقب الناشطات في الحركات النسائية وتجردهن من الإنسانية.

وحيثما أمكنهم ذلك، فإنهم ينتهجون سياسات تؤكد سيطرة الدولة بشكل أكبر على أجساد النساء، مع تقليل الدعم للمساواة بين الجنسين سياسياً واقتصادياً. إنهم يشجعون – وغالباً ما يشرعون – على إخضاع النساء ويطالبون الرجال والنساء بالالتزام بأدوار الجنسين التقليدية من منطلق الواجب الوطني. وهم إلى ذلك يختارون ويشوهون مفاهيم مثل الإنصاف والسلطة المنزلية لتحقيق غاياتهم الخاصة. بالرغم من اختلاف هذه الجهود ضمن العديد من الأوساط والثقافات اليمينية لإعادة تأكيد التسلسل الهرمي بين الجنسين، إلا أنها تمتلك تكتيكاً مشتركاً: جعل إخضاع المرأة يبدو مرغوباً، بل وطموحاً، ليس فقط للرجال ولكن أيضاً للنساء المحافظات.

تتمثل إحدى الطرق التي يجعل فيها الطغاة وغير الليبراليين التسلسل الهرمي للجنس مقبولاً للنساء هي تسييس “الأسرة التقليدية” وهو مصطلح ملطف لربط قيمة المرأة واحترامها بالإنجاب وتربية الأطفال والأعمال المنزلية في أسرة صغيرة – والتراجع عن مطالباتها بالسلطة العامة. يصبح جسد المرأة هدفاً للرقابة الاجتماعية بالنسبة للمشرعين الذكور، الذين يستحضرون نموذج النقاء الأنثوي ويدعون الأمهات والبنات والزوجات إلى إعادة إنتاج نسخة مثالية من الأمة. احتج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن المرأة لا تساوي الرجل وأن دورها المحدد في المجتمع هو الأمومة وتدبير شؤون المنزل. وقد دعا النساء اللواتي يسعين إلى مهن أكثر من الأمومة “أنصاف أشخاص”. وبالمثل شجعت حكومة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان النساء على التوقف عن محاولة سد فجوة الأجور والتركيز بدلاً من ذلك على إنجاب أطفال مجريين.

في كل دائرة الأنظمة الاستبدادية وشبه الاستبدادية، غالباً ما تكون الأقليات الجنسية عرضة للانتهاكات أيضاً. يُنظر إلى المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً والمثليين على أنهم يقوضون التسلسل الهرمي الثنائي بين الجنسين الذي يحتفل به العديد من السلطويين. ولذلك يهمشون ويوصمون بالعار من خلال سياسات معاداة المثليين: مثلاً “مناطق خالية من المثليين” في بولندا، أو حظر روسيا “دعاية المثليين” والزواج من نفس الجنس. ذهبت بكين مؤخراً إلى حد منع الرجال من الظهور بمظهر “مخنث للغاية” على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي في حملة لفرض “الثقافة الثورية” في الصين.

بالرغْم من كراهية النساء الصارخة – وأحياناً بسببها – ينجح بعض المستبدون وحاشيتهم في تجنيد النساء كلاعبين رئيسين في حركاتهم السياسية. يعرضون زوجاتهم وبناتهم بشكل بارز في المجال المنزلي وأحياناً في المناصب الرسمية لإخفاء السياسات غير المتكافئة بين الجنسين. تقديراً للأمومة التقليدية، غالباً ما تلعب النساء المحافظات أدواراً داعمة للنجوم الذكور. ربما لا يوجد مثال أفضل لهذه الآلية من الحركات النسائية المتناحرة الداعمة منها والمعارضة لحملة جاير بولسونارو الرئاسية لعام 2018 في البرازيل. فقد نظم معارضو بولسونارو واحدة من أكبر الاحتجاجات التي قادتها النساء في تاريخ البلاد تحت راية “ليس هو”. التفت أنصاره من النساء بالعلم البرازيلي وسخروا من النسوية ووصفنها بأنها “متحيزة ضد المرأة”.

في رأي الطغاة الذكوريين لا يكون الرجل رجلاً حقاً ما لم يسيطر على حياة المرأة. لذلك عزّزت سلطة ترامب الذكورية عندما سارت زوجته ميلانيا ترامب خلفه على متن طائرة الرئاسة، وتم تحديها عندما رفضت الظهور معه في الأماكن العامة. كانت سارة دوتيرتي-كاربيو، عمدة مدينة دافاو بالفلبين وابنة الرئيس رودريغو دوتيرتي، المرشحة الأولى لخلافة والدها حتى أعلن أن النساء “غير لائقين” لتولي منصب الرئاسة. مع أن تاريخ البلاد يضم رئيسات دولة وأرقام استطلاعات الرأي تؤيد دوتيرتي كاربيو، إلا أنها قدمت ترشيحها لمنصب نائب الرئيس بدلاً من ذلك.

في حين يتم تصنيف النساء في أدوار أنثوية تقليدية، يشيد الطغاة ذكورتهم. إن عرض بوتين عاري الصدر هو النسخة الفيروسية من هذا الطاووس الشعبي، لكن كراهية النساء غير الرسمية وعمليات التصوير التي نظمت بعناية وخطاب التفاخر المُمتلِئ بالذكريات تلائم احتياجاته. فكر في ربطة عنق ترامب الحمراء الضخمة والمصافحة العدوانية وادعاءات أن زره النووي كان أكبر من زر كيم – أو دعوة بولسونارو للبرازيليين لمواجهة وباء كورونا “كرجل”. قد يبدو هذا الكلام سخيفاً لكنه جزء من ذخيرة بلاغية خادعة تؤنث الخصم ثم تُظهر فرط الذكورة بانتقاد مظهر المرأة والمزاح حول الاغتصاب والتهديد بالعنف الجنسي والسعي للسيطرة على أجساد النساء كل ذلك من أجل إسكات منتقدي السلطوية الذكورية.

النظير لهذا الخطاب العنيف هو كراهية النساء كآباء. جعل ترامب وبولسونارو ودوتيرتي النساء صراحة سلعاً جنسية، وعرضوا رجولتهم وقدرتهم على الافتراس، فقد روج [رئيس الوزراء الهندي ناريندرا] مودي وأردوغان لأنفسهما كآباء يحمون بناتهم… لإبقاء النساء والأقليات في بيوتهن… هم كارهون للنساء ولكن يسيسون الخطاب لخدمة أجنداتهم.

سياسياً وقانونياً تحولات أخرى: التراجع عن حماية الناجيات من الاغتصاب والعنف المنزلي وتخفيف الأحكام على مثل هذه الجرائم وتشديد متطلبات الأدلة لتوجيه الاتهام إلى الجناة لتكون أكثر صرامة فيبقى للنساء القليل للدفاع عن حريتهن الجسدية والسياسية. في عام 2017 وقع بوتين قانوناً يلغي تجريم بعض أشكال العنف المنزلي، برغم المخاوف من أن روسيا تواجه وباء العنف المنزلي منذ مدة طويلة. خلال الحملة الانتخابية في عام 2016 قلل ترامب من قيمة مقطع فيديو ظهر فيه متفاخراً بالاعتداء الجنسي واصفا إياه بأنه “حديث في غرفة تبديل الملابس” بالرغْم من اتهام كثيرات له بالاعتداء الجنسي وسوء السلوك. بمجرد أن أصبح ترامب رئيساً وجهت إدارته وزارة التعليم لإصلاح لوائح الباب التاسع لمنح المزيد من الحقوق للمتهمين بالاعتداء الجنسي في حرم الجامعات.

احتجاج إنديرا سيزارين

أخيراً، يروج العديد من الطغاة وخلفاؤهم لتوجه “الذكر الضحية” لإثارة قلق العامة حول الرجال والفتيان. فيصورون الرجال دائماً بصورة “خاسرين” أمام النساء والمجموعات الأخرى التي يؤيدها التقدميون، على أن الهرم السلطوي ذكوري بطبيعته. في عام 2019 زعمت وزارة العدل الروسية أن التقارير المتعلقة بالعنف المنزلي مبالغ فيها في البلاد وأن الرجال الروس يواجهون “تمييزاً” أكبر من النساء في دعاوى الاعتداء. على نفس المنوال، غالبًا ما يؤكد المستبدون الطموحون أن الرجولة مهددة.

كما أصبحت مثل هذه المزاعم شائعة بين مؤيدي ترامب في الولايات المتحدة. فمثلاً ألقى السناتور جوش هاولي، الجمهوري من ولاية ميسوري، باللوم مؤخراً على الحركات اليسارية لإعادة تعريف الذكورة التقليدية بأنها سامة ودعا إلى إحياء “رجولة قوية وصحية في أمريكا”. ردد النائب ماديسون كاوثورن، وهو جمهوري من ولاية كارولينا الشمالية، مشاعر هاولي في خطاب كاسح اشتكى فيه من أن المجتمع الأمريكي يهدف إلى “إزالة ذكورة” الرجال وتشجيع الآباء على تربية “الوحوش”.

قاتلن يا نساء

يُعد نشاط الحركات النسائية ومثيلاتها محركاً للتقدم الديموقراطي الحقيقي ما يهدد سلطة الطغاة الذكور. هؤلاء الطغاة متحيزون ويؤيدون التحيز الجنسي وكراهية النساء وسعيهم دائم للحد من قوة المرأة وعلى هذا تقويض الحراك الديموقراطي الشعبي المهدد لهم.

على من يريد مواجهة الطاغية جعل مشاركة المرأة في صلب أي حراك. محلياً على الحكومات الديموقراطية حماية الاندماج المتكافئ للنساء من كافة الخلفيات ليكن في مراكز اتخاذ القرار، وعليها إعطاء الأولوية للقضايا التي تؤثر مباشرةً على قدرة المرأة على لعب دور متساوٍ في الحياة العامة كالاستقلالية الإنجابية والعنف المنزلي والفرص الاقتصادية والحصول على الرعاية الصحية وتربية الأطفال. كل ذلك أساس للمعركة الأشمل في كل مكان في العالم.

على الحكومات الديمقراطية والمؤسسات الدولية أيضاً أن تضع الدفاع عن قوة المرأة وحقوق الإنسان في صلب كفاحها ضد الاستبداد في جميع أنحاء العالم. يجب شجب التهديدات والاعتداءات العنيفة والمسيئة للنساء باعتبارها اعتداءات الديمقراطية ومحاسبة المعتدين. يجب أن يتضمن “عام العمل” الذي روجته إدارة بايدن لتجديد الديمقراطية وتعزيزها التزاماً لا هوادة فيه للدفاع عن المساواة بين الجنسين في الداخل والخارج. يمكن للجهود التي تبذلها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لدعم نشطاء حقوق الإنسان وجماعات المجتمع المدني أن توضح أيضاً أن قوة المرأة ومشاركتها السياسية يجب أن يتم دمجهما في جميع جهود تجديد الديمقراطية.

دولياً، نحتاج إلى تحالف متعدد الجنسيات لرفض الاستبداد الذكوري صراحةً وتبادل الخبرات ضده. مناصرو القواعد النسائية وقادة المجتمع المدني هم الأكثر تجهيزاً لبناء هذا التحالف والحفاظ عليه لأنهم غالباً أكثر وعياً بالاحتياجات الماسة في مجتمعاتهم. يمكن أن تساعد القمة أو المؤتمر الطموح الذي تعقده مجموعة متعددة الأطراف من البلدان أو منظمة إقليمية أو عالمية في دفع هذا الجهد بربط النساء وأبطالهن من جميع أنحاء العالم بعضهن مع بعض لتبادل الخبرات والاستراتيجيات. إحدى الخطوات المقترحة هي زيادة الدعم والظهور بشكل كبير للاجتماع السنوي للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة.

أخيراً، يحتاج منظمو الحركات الجماهيرية من أجل التغيير الديمقراطي ومؤيدوها إلى أجندة جنسية شاملة لجذب النساء إلى الخطوط الأمامية وإلى الأدوار القيادية. يجب أن يركز مؤيدو الديمقراطية في الداخل والخارج على مساعدة وتضخيم وحماية مجموعات وحركات المجتمع المدني التي تضغط من أجل المساواة بين الجنسين والعمل على التأكد من مشاركتها في أي مفاوضات أو انتقالات تتبع الانتفاضات الجماهيرية أو الحركات الديمقراطية. يجب أن تدرك المجموعات والمنظمات المؤيدة للديمقراطية أن الحركات الشاملة حقاً – تلك التي تتجاوز الطبقة والعرق والجنس والهوية الجنسية – هي الأكثر احتمالية لتحقيق تغيير دائم.

إذا كان التاريخ دليلاً فإن الاستراتيجيات الاستبدادية ستفشل على المدى الطويل. لطالما وجدت النسويات طرقاً للمطالبة بحقوق المرأة وحرياتها وتوسيعها وتعزيز التقدم الديمقراطي في هذه العملية. لكن الاستبداد الذكوري غير الخاضع للرقابة يمكن أن يؤذي بشدة على المدى القصير ويمحو المكاسب التي تحققت بشق الأنفس التي استغرقت أجيالاً لتحقيقها.

المصدر: ForeignAffairs

وائل رئيف سليمان

محرر صحفي، مترجم ومدير محتوى. حاصل على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والصحافة في جامعة دمشق 2005/2006. عمل محررا وكاتبا في الشؤون الدولية ومدير تحرير ومحتوى في وسائل إعلام سورية وعربية.

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق