الأرشيف

السلايد الرئيسي المواطنة والدولة حريات وحقوق

كيف أصبحت كلمة “مزعج” مرغوبة في مجتمع المثليين

كيف أصبحت كلمة "مزعج" مرغوبة في مجتمع المثليين

في مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً، كلمة “يتندر” شخصاً تعني انتقاده بذكاء بغية جرح مشاعره. لذلك يصبح معناها “سخرية لاذعة”. وتعتمد في الغالب على التلاعب بالكلمات أو حتى الصفات الجسدية للشخص “المتندر عليه”، وهي الأذكى، كوزنه وأصله العرقي وعقد الطفولة. عندما تقول لشخص “أعرف أنك ذو وجهين ولكن أن تكون بثلاثة ذقون فهذا كثير” فأنت تشير إلى شذوذ في وجهه يحاول إخفائه فتقوم أنت بفضحه.

في عموم المجتمع يعتبر هؤلاء الأشخاص مزعجين وحمقى، ولكن في مجتمع المثليين هم مشاهير. في الحقيقة يرى كثير من المثليين (ومنهم أنا) أن تعلم إطلاق سبة مقذعة مرتجلة هو أقرب إلى طقس العبور، ومهارة مطلوبة تساعدك في التصدي لمن يحاولون النيل منك. والآن وباعتباري أتردد إلى معالج نفسي أدركت أن الكم الهائل من الجدل والسباب الذي نتناوله مع الأصدقاء كل أسبوع قد لا يكون مؤشراً صحياً. وبدأت أتساءل: لماذا اللؤم والوضاعة مع بعضنا؟

ظهر مفهوما “التندر” ومصطلح “السخرية اللاذعة” في ثمانينات القرن العشرين ضمن مجتمعات داكني البشرة والسود الذكور المتشبهين بالنساء على ما رواه دوريان كوري المتشبه بالنساء في الوثائقي لعام 1990 المعروف بعنوان “باريس تحترق”. في قاعات الاحتفال توجد مسابقات يصنَف فيها الرجال المتحولون جنسياً على أساس قدرتهم على المرور بطريقة أنثوية مقنعة. وكما أخبرتني كريستي سواريس، المدير المشارك لدراسات المثليين في جامعة كولورادو بولدر: “غالباً ما تُختبر النساء في قدرتهن على السخرية اللاذعة بما يتوافق مع مقاييس الجمال المعيارية”.

النساء المتحولات اللواتي يُنظر إليهن على أنهن نسويًا تقليديًا يفزن بالمسابقات، في حين أن أولئك الذين لا يتوافقون مع هذه المعايير “يقصيهم” الحكام. وإذا كنت قد شاهدت قاعة الرقص من قبل، فأنت تعلم أنه لا تلفيق ولا كلام معسول هنا، فإذا كان الشخص جديراً بالملاحظة فسيتم إخباره بذلك.

ولكن على الرغم من أن “التندر” قد يبدو قاسياً للوهلة الأولى، فقد طُور أساساً كآلية دفاع عن مجتمع تعرض للسحق عبر التاريخ. يقول سواريس: “أود أن أقول إن [السخرية اللاذعة والتندر] تاريخياً لا يتعلقان بالمنافسة بقدر ما يتعلقان بالتأديب”. “الفكرة هي الحفاظ على تماسك أعضاء مجتمعك حتى لا يواجهوا العنف من العالم الخارجي.” في الأساس، إذا كنت تستطيع تقبل اللؤم والصدق في بيئة خاضعة للرقابة من الأشخاص الذين لن يؤذوك جسدياً، فستكون مستعداً بشكل أفضل خارج هذه الظروف.

من المسلم به أننا لا نوجه الشتائم كجزء من مسعى نبيل. ربما يكون التندرعلى شخص ما -خاصة إذا كنت تكرهه- ممتعاً. فالتندر لا يجبرك فقط على الارتجال وإظهار الذكاء، ولكنه قد يكون تفريغ شحنات غضب (إذا كان عابراً)، خاصة إذا كنت محط انتقاد.

ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أشعر بضرورة وجود عتبة تفصل بين الدعابة اللاذعة والحب القاسي عن التنمر أو حتى الإساءة اللفظية. إن معرفة كيفية إلحاق الضرر العاطفي قد يجعلنا أفضل في الدفاع عن أنفسنا من المضايقات، لكن هذا لا يعني أنه مفيد لصحتنا النفسية أو العاطفية. قال لي خوسيه أرويو، عالم النفس المقيم في شيكاغو: “في كثير من الأحيان، نجحت هذه السلوكيات معنا في الماضي تجاوزنا بها أوقاتاً عصيبة، لكنها يمكن أن تتعثر وتصبح مدمرة لأنفسنا وللآخرين مع تقدمنا في السن”. “إنها صدمة. وفي بعض الأحيان، نعاود الانخراط عن غير قصد في تلك الصدمة مع الآخرين الذين نقترب منهم، ربما داخل مجتمعنا وربما داخل أنفسنا”.

حتى عندما يكون الجدل المستمر نظرياً ممتعاً جيداً، “فإن عقولنا ستأخذها على أنها حقيقة”، كما يقول أرويو. “وإذا قيل مرات كافية، فقد نبدأ في تصديقه. لذلك عندما تسخر شخصية من شخص ما بشكل لاذع، من صفاته [أو] شخصيته، فسيؤدي ذلك بطبيعته إلى التشكيك في آرائه أو قيمته الذاتية”.

يميل البشر في الواقع إلى التركيز على ردود الفعل السلبية تجاه أنفسهم، لذلك حتى إذا تندر شخص دون نية الإيذاء، فإن التأثير غالباً ما يكون مختلفاً. هذا صحيح بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون أحداث الحياة السلبية المستمرة؛ أي المثليين المنطوين لسنوات. “في تجربتي الحياتية، لا يدرك الكثير من الأشخاص الغاضبين حتى مقدار الحزن المتوحش الذي لم يسبق له مثيل يحملونه بين ضلوعهم – والكثير منه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتجارب المبكرة،” على ما أخبرني به قال لي ماكس شنايدر، المعالج والطبيب المقيم في نيويورك. الكثير منا يحملون التوتر في داخلهم بسبب الحذر الدائم -سواء لأننا كنا نحاول عدم التخلي عن غرابتنا كأطفال أو لأننا تعرضنا للتمييز منذ صغرنا- لذلك، حتى عندما نصبح بالغين ولا يوجد شيء معين نتجادل عليه، يمكننا الاستمرار في عادة البحث عن المشكلات.

يمكن أن يؤدي تمزيق بعضنا البعض باستمرار إلى استمرار توتر الأقليات، وهو عندما تتعارض قيم الشخص مع قيم المجموعة المهيمنة، وقد أظهرت الدراسات أن المعاناة من توتر الأقليات تؤدي إلى نتائج صحية سيئة وسلوكيات محفوفة بالمخاطر، مثل تعاطي المخدرات والجنس غير المحمي.

يجدر التساؤل عن أي أجزاء من ثقافتنا تؤذينا وأيها تخدمنا.

Ian Kumamoto

الآن، لست هنا لأقول إنه علينا جميعاً البدء في الخداع والتزييف بعضنا مع بعض. بصراحة، يمكننا ترك ذلك لمجتمع البيض المستقيمين. لكني أقول إنه من الجدير التساؤل عن أي أجزاء من ثقافتنا تؤذينا وأيها تخدمنا. هناك بالتأكيد بعض الفوائد لمشاحناتنا. نحن نتندر على الأشخاص في مجتمعنا بناءً على عيوبهم الجسدية -في كثير من الأحيان، يمكن أن على تصرفات الشخص أيضاً. يقول شنايدر: “قد يكون الغضب مؤشراً على شيء مؤذٍ لنا على وشك إصابتنا وأننا ظُلمنا”. “الكثير من الغضب له تبريراته القوية.”

من واقع خبرتي، فإن التعبير عن أنفسنا ثم الانتقال من المواقف غير المريحة -بدلاً كظم الغيظ- قد يساعدنا في تكوين علاقات أكثر واقعية. تصبح “السخرية اللاذعة” و “والتندر” ضارين عندما يعيدون فرض أفكار غير متجانسة حول كيف يجب أن ينظر الناس في مجتمعنا ويتصرفون -على سبيل المثال، كيف يجب أن تكون المرأة المتحولة أنثى أو كيف يجب أن يبدو الرجل المتحول بعضلاته. ولكن عندما يتم ذلك دون خبث حقيقي، يمكن أن يكون في الواقع وسيلة للتواصل مع أشخاص مثليين آخرين. يقول شنايدر: “اعتقد بالتأكيد أنه يجب وجود مجال للفكاهة اللاذعة والسخرية والمزاح والتندر على الناس (خاصة إذا كان ذلك بالحب) والضحك معًا”.

عناوين أخرى: الفقر والقلق والتفرقة بين الجنسين في أدب الطبقة العاملة الأسكتلندية

سيكون التحدي التالي هو لتحقيق توازن جيد: علينا أن نكون صادقين ونحل مشكلاتنا ونضع حدوداً دون الشعور بالحاجة إلى تمزيق بعضنا البعض لتجنب التصادم من جديد. في المرة القادمة التي تشعر فيها برغبة جامحة لتقول شيئاً ليس لطيفًا حاول التوقف أولاً. يقول شنايدر “واحدة من الخطوات الأولى هي مجرد الشعور برغبة التندر حاول أن تأخذ نفساً. أخذ بعض المساحة لتهدئة نفسك أو مراجعة مشاعرك، لمحاولة إبداء بعض التعاطف تجاه الشخص وعدم التصرف فوراً بناءً على الشعور.”

المصدر: اضغط هنا

الحفّار

فريق التحرير

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق