الأرشيف

السلايد الرئيسي حفّار مساحة

عريضة الأسد عام 1936: جَدُّ بشار كان مؤيدًا للوحدة

عريضة الأسد عام 1936: جَدُّ بشار كان مؤيدًا للوحدة
صورة تعبيرية أرشيفية من اﺣﺘﻔﺎﻝ تكريمي ﻛﺒﻴﺮ ﻋﺎﻡ( 1938) ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ بلوغ الشيخ سليمان الأحمد وهو أحد أهم رجال الدين العلويين في القرن الماضي، بلوغه ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻭﺍﻟﺴﺒﻌﻴﻦ. دﻋﻲ ﺑﺎﻟﻴﻮﺑﻴﻞ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ للشيخ الذي دعم ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻜﺘﻠﺔ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺷﺠﺐ الاﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻭﻧﻴﻦ ﻣﻌﻪ. ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺘﺨﺐ ﻋﻀﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﻤﻊ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ. كان الاحتفال ﺗﺤﺖ ﺭﻋﺎﻳﺔ ﻣﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻼﺫﻗﻴﺔ ﺇﺣﺴﺎﻥ ﺍﻟﺠﺎﺑﺮﻱ ﻭﺷﺎﺭﻙ ﻓيه ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﺤﺴﻦ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻱ ﻭﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻄﻴﻒ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻭﺍﻷﺩﻳﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺠﺬﻭﺏ.

يصادف هذا الأسبوع الذكرى الثمانين لعريضة ذائعة الصيت  في هذا الوقت، ستكون هذه العريضة معدّة من قبل ستة من وجهاء الأقلية العلوية في منطقة اللاذقية من بينهم جَدّ حافظ الأسد سليمان الأسد موجهة إلى رئيس الوزراء الفرنسي ليون بلوم في 15 حزيران عام 1936.

وقتذاك، انتقد الوجهاء العلويون الستة المفاوضات التي أجرتها حكومة الكتلة الوطنية من أجل استقلال سورية، يشجبون فيها  “روح الكراهية والتعصب الكامنة في قلوب المسلمين العرب” ضد العلويين واليهود واليزيديين والأقليات الأخرى. ورفضوا فكرة إدراج محافظة اللاذقية (“دولة العلويين”) في سورية، واقترحوا بدلًا عن ذلك ضم الدولة العلوية إلى لبنان وطالبوا بالبقاء في ظل الحماية الفرنسية.

ورد أنّ أن هذه العريضة مسجلة كوثيقة “رقم. 3547 ” في وزارة الخارجية الفرنسية، ومترجمة في كتاب أبو موسى الحريري عام 1984 بعنوان العلويون النصيريون: بحث في العقيدة والتاريخ، مع ظهور مقتطفات طويلة من هذا الكتاب  (مترجمة من العربية) في بعض الأعمال مثل كتاب الدكتور متي موسى الشيعة المتطرفون: فرق الغلاة الصادر عام 1988، كتاب دانيال لو جاك سوريا تحت قيادة الجنرال الأسد الصادر عام 1991 ومجموعة من المقالات الصحفية ومدونات الإنترنت في السنوات الأخيرة.

يقال إن نسخة من العريضة مع الترجمة العربية محفوظة في مكتبة الأسد في دمشق. في أغسطس 2012، استحضر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس العريضة، في رد فعله على رسم صورة سلبية للانتداب الفرنسي على سورية من قبل دبلوماسي سوري في الأمم المتحدة، استحضرها كدليل على الموقف الموالي لجد الرئيس بشار الأسد (وليس جده الأكبر) الموالي لفرنسا، وأكد مجددًا أن الوثيقة “الرسمية” محفوظة في أرشيف وزارته.

مؤرخ وتدقيق.. التزوير

من وجهة نظر مؤرخ، فإن العريضة تقدم مشكلتين. أولا، “رقم 3547 “لا يتوافق مع أي تصنيف فعلي للأرشيف الفرنسي (قد يتوقع المرء أن تتجاوز مقتنيات الوزارة العناصر ذات الأرقام التسلسلية المكونة من 4 أرقام) ولم يذكر أي وثيقة مقابلة في الأدبيات أو في الواقع، من قبل الوزير. الصورة الوحيدة المعروفة للوثيقة “رقم. 3547 “يبدو أنه قُدّمت للدكتور مردخاي كيدار في جامعة بار إيلان ونشرها على موقع  www.jewishpress.com

في سبتمبر 2012، نُسخت ووزعت على عدة مواقع إنترنت منذ ذلك الحين. بيد إن الصورة، أو الوثيقة، مزيفة بشكل واضح. تظهر نظرة خاطفة أن النسخة الأصلية المزعومة على اليسار مختومة بشكل بارز بعبارة “رقم. 3547 “باللون الأحمر، مكتوب بخط طويل نموذجي للمراسلات القنصلية الفرنسية في أوائل القرن التاسع عشر أو في الفترة التي سبقت ذلك  (ويبدو أنها تتعلق بمعاملات تجارية)، في حين أن العرائض المقدمة إلى السلطات الفرنسية في الثلاثينيات كانت مكتوبة دائما تقريبًا بواسطة آلة كاتبة.

من جهة أخرى، ما يبدو واضحًا جدًا الختم الأسود في الأعلى، الممتد على كلا الوثيقتين تلك المكتوبة بخط اليد والترجمة العربية المنسوخة بواسطة آلة كاتبة: هذا في الواقع طابع مالي للبلدية قديم الطراز (“Petit Papier، [x] sous la feuille، Généralité de Paris” ) – التي تعرض بوضوح شعار النبالة الكلاسيكي لبوربون المكون من ثلاث زنابق وهو استحالة كاملة لأي وثيقة تعاملت معها وزارة خارجية الجمهورية الثالثة في عام 1936.

.

لا يعني ذلك أن موضوع ونبرة العريضة في حد ذاتها غير قابلة للتصديق. على العكس من ذلك: عارض العديد من العلويين في الواقع نهاية الحكم الفرنسي وضم “العلويين” المحتوم إلى سوريا المستقلة.

تحتوي أرشيفات وزارة الخارجية الفرنسية (“Quai d’Orsay”)، الموجودة الآن في ضاحية La Courneuve شمال باريس، على عدة رسائل أرسلها العلويون وغيرهم من الوجهاء إلى مسؤولي الحكومة الفرنسية في عام 1936 لتشكيل قوة ضاغطة ضد استقلال سوريا.

بعض هؤلاء يرفضون بأشد العبارات إمكانية “حكم الأغلبية المسلمة” ويطالبون بضم العلويين إلى لبنان أو يقارنون محنة العلويين والدروز بالتمييز الذي يعانيه المهاجرون اليهود الذين يستقرون في فلسطين. ومع ذلك، لا تتوافق أي من هذه العرائض الانفصالية مع العريضة “رقم. 3547 “، ولا يبدو أن أيا منها يحمل توقيع الأسد.

رسائل مؤيدة للوحدة

مؤرخون كمتي موسى (الذي استخدم الأرشيف الفرنسي في كتابه، ولكن لا يستطيع إلا الاستشهاد بالحريري كمصدر للوثيقة “رقم 3547”) وآخرون ركزوا بشكل مبالغ به على هذه العرائض الانفصالية التي من المفترض أنها “تكشف” أن “قادة النصيريين كانوا يخشون ويمقتون الوطنيين السوريين السنة” (المتطرفون الشيعة، ص 286 – 289). هذا أمر مؤسف – لأن نظرة سريعة على السلسلة ذات الصلة في La Courneuve تُظهر أن هناك عددًا من العرائض الموالية للاستقلال والموالية لوحدة سورية أرسلها العلويون في عام 1936 على شاكلة العريضة “رقم 3547”.

من المؤكد أن إحدى هذه العرائض العلوية المؤيدة للوحدة، بتاريخ 2 يوليو 1936 أو بعد أسبوعين فقط من العريضة “رقم. 3547 ”، لم يوقعه سليمان الأسد – ولكن ابنه علي سليمان الأسد، أي جَدّ الرئيس الحالي.

رسالة غاضبة مكونة من 4 صفحات وُجّهت “بغضب” إلى وزارة الخارجية  بشأن “سياسات التقسيم الشائنة” في فرنسا، وُقّعت من 86 من وجهاء العلويين، بما في ذلك ليس فقط الأسد الأصغر (بصفته ” عضو سابق في الجمعية التأسيسية للعلويين “) ولكن أيضًا من عائلات رسلان والخير وعائلات بارزة أخرى، وكذلك إسماعيل هواش، رئيس عشيرة المتاورة، والممثل السابق في” المجلس الاتحادي السوري “وابنه عزيز أغا الهواش، أحد الموقعين المزعومين على الوثيقة “رقم. 3547 “.

من خلال السخرية من الفكرة القائلة بأن العلويين لا يستطيعون العيش مع أبناء وطنهم المسلمين، فإن العريضة تنتقد بعبارات لا لبس فيها أولئك من رفاقهم الذين قد يثيرون الرأي العام فقط “بدافع الطموح الشخصي” و”سوء النية” عن طريق طرح استمرار حكم الانتداب الفرنسي التقسيمي الذي بدوره يعيق الوحدة السورية الكاملة. (انظر كتابي القادم تاريخ العلويين: من حلب في العصور الوسطى إلى الجمهورية التركية، مطبعة جامعة برينستون، 2016، ص 260-261 لمزيد من التفاصيل). إذا كان هناك شيء مثل العريضة “رقم. 3547 “، فيقرأ كتفنيد صريح.

أسئلة

بعبارة أخرى، فإن “عريضة الأسد” الموجودة فعليًا في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، تتعارض بشكل مباشر مع ما يُطالب به كثيرًا (بما في ذلك لوران فابيوس) حول موقف الأسد تجاه الانتداب الفرنسي، وعلى هذا يثير هذا عددًا من الأسئلة.

هل يجب أن نستنتج أن “رقم. 3547 ”تزوير، لكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يُعرض في مكتبة الأسد في دمشق عندما تُلقى الشكوك على مؤهلات الأسد الوطنية؟

أيمكن أن تكون العريضتين حقيقيّتين وتظهران صراعًا سياسيًا حقيقيًا – في الواقع صراعًا بين الأجيال – داخل المجتمع العلوي في عام 1936، بين انفصاليي الحرس القديم مثل سليمان الأسد وعزيز أغا الهواش، من جهة وابنيهما المواليين للوحدة علي سليمان الأسد وإسماعيل الهواش من جهة أخرى؟

لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، في نهاية المطاف، عندما يكون واضحًا أن العلويين وأي مجتمع طائفي آخر لم يتبنَ رأيًا واحدًا وموحدًا حول الانتداب الفرنسي والاستقلال، في حين أن مؤرخًا حريصًا مثل باتريك سيل قد أظهر فعلًا أن عدة شخصيات علوية في الواقع “وطنية سورية ولا متعاونة” لكنها عدلت موقفها طوال حقبة الانتداب، تبعاً لظروفها السياسية والشخصية المتغيرة (الأسد: الصراع على الشرق الأوسط، ص 18 – 23).

ما يشير إليه وجود عريضة الأسد الموالية للوحدة بشكل لا لبس فيه، على أي حال، هو إلى أي مدى تستند الأساطير السياسية في سوريا الحالية في كثير من الأحيان إلى أدلة واهية – أو في الأقل جزئية وغير كاملة -، كيف سيركز بعض الكتاب على الفضيحة، بغض النظر عن المواد الأرشيفية المتاحة لهم، وكيف أن المدونين والمعلقين الإعلاميين وربما حتى وزير الخارجية الفرنسي سيقومون بنسخ ولصق بعضهم عن بعض دون إجراء أي نقد بدلاً من قضاء 10 دقائق في تصفح فهارس  La Courneuve.

إن نشر ادعاءات الفاقدة الأهلية بشأن جَدّ الرئيس أو العلويين أو الولاءات التاريخية لأي شخص ليس وصفة مناسبة للاستقرار في السياق الحالي للسياسات السورية. العريضة الإنفصالية “رقم. 3547 “، إذا كانت صحيحة فعلا، فيجب في الأقل موازنتها مع العريضة الموالية للوحدة الأصيلة جدًا الموجودة فعلًا في الأرشيف الفرنسي.

نبذة عن الكاتب: ستيفان وينتر أستاذ مشارك في التاريخ بجامعة كيبيك في مونتريال

منشوراته السابقة حول العلويين تحت الحكم العثماني متوفرة على صفحته الأكاديمية. تاريخ “العلويين: من حلب في العصور الوسطى إلى الجمهورية التركية من المقرر إصداره من مطبعة جامعة برينستون في سبتمبر 2016. مع الشكر لمردخاي كيدار وباسكال باستيان وستيفان فالتر وجوشوا لانديس لمساعدتهم في هذه المذكرة.

صفحة ستيفان وينتر في منصة أكاديميا: اضغط هنا

المصدر: اضغط هنا

وائل رئيف سليمان

محرر صحفي، مترجم ومدير محتوى. حاصل على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والصحافة في جامعة دمشق 2005/2006. عمل محررا وكاتبا في الشؤون الدولية ومدير تحرير ومحتوى في وسائل إعلام سورية وعربية.

أضف تعليقًا

اضغط لإضافة التعليق