“رحيل” أيمن الظواهري وأثره على الحركة الجهادية العالمية
يتحدث كول بنزل وهو زميل في معهد هوفر بجامعة ستانفورد ومحرر مدونة Jihadica عما قيل بشأن استعصاء الظواهري على الموت بعد أن مات من سبقوه موتاً شنيعاً على يد القوات الأمريكية بيد إن لسيوف صواريخ هيل فاير الكلمة الفصل. هذه الصواريخ أنهت حياة الظواهري دون ضحايا مدنيين على ما قاله الرئيس الأمريكي في تقرير متلفز يزف فيه النبأ للشعب الأمريكي. يتابع كول بقوله، انطواء صفحة من صفحات الحرب بقيادة الولايات المتحدة على الإرهاب منذ 11 سبتمبر بالرغْم من المبالغة في دور الظواهري في هذه الهجمات. ويتساءل بنزل عن قدرة وكالة الاستخبارات المركزية على استهداف الظواهري على الرغم من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان ونهج الاقتراب الأمريكي من نظام طالبان. ويركز بنزل في هذا التقرير على تحديين تواجههما القاعدة حالياً أولهما الخليفة وثانيهما وهو الأصعب الخلافات ضمن التنظيم.
طبيب في الجهاد
يسرد بنزل بسرعة وكثافة مسيرة الظواهري؛ طبيب ابن طبيب اقتلعه الجهاد وساقه إلى القتال ضد المصريين ودولتهم فتورط باغتيال السادات وإن من بعيد. سُجن وعُذب ليظهر في أواخر الثمانينيات قائداً لحركة الجهاد الإسلامي المصرية عملت من الخارج لإسقاط النظام المصري. وفي التسعينيات هبط أفغانستان وتقرب من بن لادن دامجاً منظمته مع منظمة الأثرياء السعوديين رسمياً في يونيو/حزيران 2001 قبيل هجمات 11/9، تحت مسمى “قاعدة الجهاد” أي القاعدة حركياً.
في أفغانستان عدل الظواهري استراتيجيته من الجهاد الإقليمي إلى الجهاد العالمي بقيادة بن لادن الذي صاغ جوهر الثورة بالقتال ضد أمريكا والغرب في العالم الإسلامي. وأن دول الإسلام لن تتطور إلا بضرب الولايات المتحدة وطردها عسكرياً ودبلوماسياً من المنطقة. كان ذلك شرارة 11/9 واستمرت نداءً وظفته القاعدة في تجنيد الشباب ففشلت على مدى 20 عاماً تحت قيادة الظواهري.
أما عن الظواهري وإرثه فيراه بنزل غنياً قوامه مؤلفاته التاريخية والدينية والتنظيرية والتبشيرية، إضافة إلى سلسلة من الخطب والمحاضرات المسجلة تبلغ مئات الساعات أو يزيد. ولكن يعتقد بنزل أن الظواهري يفتقر إلى البلاغة وبالأخص الكاريزما وربما كان ظهوره المتكرر سبباً في الإضرار بسمعته بدل تعزيزها.
ويتساءل الكاتب عن كيف تمكن الظواهري من إدارة شؤون منظمة إرهابية عالمية وفي الوقت نفسه إفراز هذا الكم الهائل من المؤلفات والظهور الإعلامي. ويتحدث عن أكثرها إثارة للجدل صعود الدولة الإسلامية (المعروف أيضًا باسم داعش) الذي تفوق على القاعدة وسرق منها الأضواء. عندما خلف الظواهري بن لادن عام 2011 كان الزعيم بلا منازع للحركة الجهادية العالمية. وبحلول عام 2014 تغير الوضع لتترك داعش بصمة جهادية أقوى ساهم فيها الظواهري.
بوادر الفشل
في منتصف عام 2014 حاول الظواهري حل خلاف بين فرقتين تنتميان للقاعدة في العراق والشام عندما أعلن البغدادي توسيع نطاق منظمته، الدولة الإسلامية في العراق لتشمل سوريا مؤسساً الدولة الإسلامية في العراق والشام، مهددا بذلك نفوذ جبهة النصرة في سوريا التابعة للقاعدة. فناشد زعيم النصرة الظواهري علناً للتدخل. أمر الظواهري في تسجيل له بثته قناة الجزيرة البغدادي بالتراجع وقصر عمله بالعراق. لم يستجب البغدادي محتجاً بأن فتوى الظواهري منافية للشريعة. بعدها أعلنت داعش أن الظواهري والقاعدة منشقين عن الإسلام. ولم يمض عام إلا وداعش تكتسح مدناً رئيسية ومساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا وجذبت انتباه العالم فتهافت عليها الناس من كل حدب وصوب.
بعدها بعامين انشق الفرع السوري للقاعدة الذي تدخل الظواهري لإنقاذه والتحق بالثورة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد في دمشق وحنث قادتها بالبيعة للظواهري الذي اشتكى وناح معلناً بذلك أفول نجم القاعدة في قلوب العرب. وبذلك خسر الظواهري مرتين فضلاً على الاغتيالات في صفوف قادة القاعدة.
حتى داعش لم تسلم من الانحسار. بحلول عام 2019 فقدت الخلافة السيطرة على آخر معاقلها في العراق وسوريا، وفي أكتوبر من ذلك العام، قتلت القوات الأمريكية البغدادي. في فبراير من هذا العام قضوا على خليفته أيضًا.
الملاذ الآمن
يقول كول بنزل إن عهد الظواهري لم يكن بتلك الفوضى. فقد قاومت فروع القاعدة في شمال أفريقيا والصومال واليمن وظلت على بيعتها. كما أسس فرعاً أخرى في جنوب آسيا ومالي وكان الأخير تحديداً ذو نشاط كبير. ويرى أن ادعاء الظواهري بامتلاكه زمام التنظيم صحيح إلا أن المراقب الحصيف يرى عهده شاهداً على انحسار القاعدة لمصلحة غيرها وتهاوي قياداتها. كما أخفق في تحقيق الهدف الأساسي: مهاجمة الولايات المتحدة. ويستشهد الكاتب بقول الباحثة نيللي لحود بأن التنظيم لم يوجه أي ضربة ناجحة على الولايات المتحدة منذ 11 سبتمبر وأن آخر ضربة ناجحة كانت عام 2002 في مومباسا، كينيا وخطط لها قبل 11 سبتمبر.
أما بالنسبة لعودة طالبان يرى بنزل أنها قد تكون لمصلحة القاعدة التي أشادت بتلك العودة واعتبرته انتصاراً لقضية الجهاد العالمي. ويخشى الكاتب مع غيره أن تكون طالبان بيئة حاضنة للقاعدة. ولذلك ما يبرره من علاقات قوية تجمع قيادات التنظيمين على الرغْم من محدودية تنقل القاعدة ضمن أفغانستان رغبة من طالبان في الحصول على الشرعية الدولية ولكن هذه القيود قد تختفي خلال عامين على الأكثر.
قد يجتمع التنظيمان في عدة نقاط ولكن مصالحهما غير متطابقة. فالقاعدة تسعى إلى تدمير النظام العالمي وترغب طالبان بالانضمام إليها وإن لتخريبها. فقد غمز الظواهري من قناة طالبان في رسالة فيديو كونها تسعى لتمثيل أفغانستان في الأمم المتحدة، وهي المنظمة التي رأى أنها تمثل نظامًا عالميًا من عدم الإيمان يجب تدميره وليس الانضمام إليه.
يضيف بنزل قضية توتر العلاقات بين طالبان والقاعدة مستشهداً بما عُثر عليه من وثائق بعد مقتل بن لادن. ذكرت الوثائق باهتمام الأخير بتوجيه طالبان التي رأى أنها منقسمة إلى مؤمنين ثقاة ومنافقين يعتاشون على فتات المخابرات الباكستانية واستعدادهم لبيع القاعدة. انعكس هذا في سلوك بعض الجهاديين العرب. فقد اشتكى السوري أبومصعب الزرقاوي من أن فصيلًا من قيادة طالبان لا يريد أي علاقة بالجهاد العالمي وسعى فقط إلى إنشاء دولة محافظة في أفغانستان. تشبه دولة المملكة العربية السعودية. أما داعش فكانت أكثر عدوانية بحجة أن الجزء المناهض للجهاد من طالبان يسيطر الآن بقوة. وسخروا من مقتله لاعتقاده بحماية طالبان له والتي بدلاً من ذلك قدمته لقمة سائغة للأمريكيين.
يرى بنزل مبالغة في هذه الادعاءات. فطالبان ليست حركة موالية لأمريكا ولاتريد قتل الظواهري. المنزل الذي لقي فيه الظواهري هو لأحد مساعدي سراج الدين حقاني وزير داخلية حكومة طالبان وعلى الأرجح هو من دعا الظواهري إلى بيته. ولكن ربما سال لعاب أحدهم على مكافأة تبلغ 25 مليون دولار باع لقائها رأس الزعيم العجوز. والشكوك تحوم حول تعهدات طالبان منع استخدام أراضيها لشن هجمات إرهابية. والشكوك أكثر بكون أفغانستان ملاذاً للقاعدة لما كان القوات الأمريكية وعيونها الباقية فيها كانت قادرة على قتله هناك.
مَن الخلَف؟
برأي بنزل هذا من أصعب التحديات على المدى القريب. يرى البعض المصري الشاب سيف العدل، في إيران حالياً، والتالي عبد الرحمن المغربي صهر القتيل ورئيس العمليات الإعلامية للقاعدة أيضاً في إيران حالياً. وكونهما في إيران، على رأي بنزل، ليس أمراً مهماً، إذ ربما كانا مرغمين ولكن هذا يعيق صعودهما. فإيران في الظاهر تؤدّي دور المعادي للقاعدة والعداء بين المذهبين معروف. لذلك أن يدير شخص سني مقيم في إيران دفة التنظيم لهي شبهة في انضواء الأخير تحت راية إيران.
يرجح بنزل أن يكون الخليفة من إحدى الجماعات التابعة للقاعدة. وحسب الأمم المتحدة فإن خط الخلافة يسمي يزيد ميراك في شمال أفريقيا وأحمد ديري في الصومال، كلاهما بعد اللذان في إيران. ويقول بنزل أن الأخيرين قد لا يرغبان في التخلي عن قيادة الفروع الإقليمية كونهما في الظل أو قد لا يكونا مهتمين أساساً بزعامة التنظيم كونهما على خلاف مع الظواهري حول استراتيجيته.
ويخلص بنزل إلى أن أمر الخليفة غامض، ولا يرجح انطواء صفحة التنظيم كونه أساس لشرعية الجهاد ويمثل راية وهوية يلتف حولهما المقاتلون. ويقول إن مشكلات التنظيم بعد 11 سبتمبر لا يمكن تجاهلها منها العَلاقة غير المريحة بإيران وانعدام الثقة والتوافق مع طالبان وغياب الاستراتيجية المشتركة بين الأطراف. ويؤكد بنزل على صعوبة إدارة منظمة عالمية من المتشددين الملتزمين أيديولوجيا لا بل زاد صعوبة بالنسبة للقاعدة.
المصدر: اضغط هنا
أضف تعليقًا